الأدب والكتابة من الممتلكات المميزة التي أبدعها العقل البشري، والآن في عصر التحول الرقمي من أهم نوعيات الاستثمار، هي ثروة لا يجب الاستهانة بها.
لأن كل كلمة وكل أسلوب وراءهما ثقافة ومعرفة وفكر ودراسة وموهبة تخص صاحبها، لذا هي نتاج خاص لكل فرد. الأفكار والحكايات معروفة وتملأ الدنيا وتعاد وتكرر من بداية الحياة حتى الآن لكن الذي يستطيع صياغتها وتقديم منتج خاص وفريد هو المبدع.
والكتابة الأدبية كمصنفات معروفة مثل المقال والنصوص بأنواعها كالقصة والرواية والأشعار وتمتد لتشمل الحوارات والرسائل والسيناريو الخ.
وحقوق الملكية الفكرية يتم التعويض عنهما بطريقتين أولاً: الحق الأدبي، ثانياً: الحق المادي.
وعن الحق الأدبي المعنوي هو نشر النص ونشر اسم الذي قام أو ساهم أو شارك فيه.
ثانيًا: الحق المادي وهو التعويض بمبلغ مادي متفق عليه نظير ما حرره أو كتبه أو أعده أو حتى أعاد صياغته.
وأقدم هنا بعض الصور المسكوت عنها في إغفال أو انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الأدب والكتابة.
1-المحرر أو المعد في صفحة أو مجلة أو أي مؤسسة إعلامية مثلاً يجب ذكر اسمه سواء في الكتاب أو على الموضوع أو حتى على الموقع أو التتر إذا كان مرئيًا، وطبعًا يتقاضى أجره على ذلك.
2- إذا كان الشخص يعمل عملاً إداريًا ويتقاضى عليه أجرًا ويطلب منه بالإضافة للعمل الإداري أن يقوم بتحرير أو صياغة أو إعداد يجب تعويضه بذكر اسمه ومكافأته.
3-استغلال الشخص الموهوب أو الذي لديه قدرات تحرير أو صياغة أو نظم ويعمل تحت إدارة شخص أو حتى يعمل عنده بشكل مباشر في عمل يمتلكه: بحيث يستغله في إعداد له عمل أدبي كحوار أو مقال أو رواية أو أي من المصنفات التي سبق ذكرها، يجب تعويضه ماديًا ومعنويًا.
4- الخلط بين المدقق والمحرر، فالمدقق لا يعدل الصيغة ولا يبدل الأسلوب، فقط يراجع دقة القواعد وصحتها، وأغلب الصحف والمجلات والمواقع الرسمية تحتاج لمدقق وهو أمر خارج الإبداع وحق الملكية الذي نتحدث عنه، لكن لو طلب منه التحرير أو الإبداع يكون دخل بذلك في حقوق الملكية. أما لو كان هناك اتفاق على ذكر اسمه وتعويضه ماديًا كعمل منفصل يكون أمرًا جيدًا ويفضل حتى ذكر المدقق في ترويسة الكتاب أو الصحيفة أو تتر الفيلم.
5- في كل المؤسسات الصحفية والإعلامية وظائف تتعلق بأعمال إدارية وأعمال تخص الكتابة والتحرير مباشرة، وفي العمل الوظيفي لا يفضل الخلط بين الاثنين والعمل الإداري يتقاضى عليه الموظف أجره، أما مساهمته في العمل الإبداعي يجب مراعاة حقوقه الأدبية والمادية باتفاق. لأن العمل الإبداعي قيمته متغيرة وتقديره يختلف من موضوع لآخر. سواء عند تعويضه ماديًا أو معنويًا.
6- انتشرت فكرة ورش الكتابة خاصة للمسلسلات وهي فكرة تراعي حقوق الملكية الفكرية لو راعت الاتفاق على الجانبين المعنوي والمادي لكل العناصر المشاركة.
7- يخرج علينا كل فترة أحد الكتاب الذي سمحت لهم الفرصة السفر في دورات تدريبية للخارج في دور نشر أجنبية ويعود ويطلق الفكرة التالية (الناشر الغربي عنده محررون يكتبون الرواية وقد يقول لهم المؤلف الفكرة أو الموضوع وهم يكتبون) الموضوع بهذه الطريقة طبعًا هو تحايل على حقوق الملكية وقد يكون لهذا الشخص الذي يحاول تعميم هذا النمط قدرات سردية ضعيفة ويبرر سد العجز.
إن ما أعرفه أن الناشر المحترف وخاصة الأجنبي عنده مجموعات عمل كبيرة وفرق من مطورين ومفكرين ومسوقين مختصين، يقترحون على الكاتب تعديل المسار الدرامي أو تعديل الأسلوب، ورؤى مختلفة ليقوم الكاتب بنفسه بالتنفيذ، وأرى أن الناشر الأجنبي يحترم مهنة الكتابة جدًا فهو يضع له أفكارًا كثيرة ومستشارين لكن لا أحد يكتب لأحد.
وعن أبرز أسباب انتشار ظاهرة انتهاك حقوق الملكية الفكرية في الأدب والكتابة:
أولاً ضعف اللغة العربية سواء بسبب ضعف تعليمهم أو لعدم اهتمامهم باللغة.
ثانيًا: التعود على العامية في التفكير والاستخدام اليومي وصعوبة اللغة العربية على البعض في طريقة الصياغة والكتابة.
ثالثًا: هناك نظرة شائعة أن تأليف كتاب أو نشر حوار في الصحف أو كتابة مقال هو أمر يزيد من الوجاهة ليكمل صورة ذهنية يتمناها.
رابعًا: لأن الكتابة موهبة وفن، فمثلاً قد يكون عند أحدهم فكرة أو حكاية لكن لا يملك الموهبة والأسلوب التي يخرجها بها.
موهبة الكتابة هي رزق من الله مثل الأولاد والمال.
وأشير أن اللغة العربية في ناحية التأليف والكتابة هي لغة متفردة في طبيعتها الإبداعية حيث اللفظ مشبع بالمجاز والأساليب متعددة وساحرة، لذلك الأسلوب مؤثر ودال على ثقافة كاتبه وفكره (لاحظ أن القرآن الكريم المعجزة الإلهية) مكتوب بالعربية مما يدل على خصوصيتها في التعبير. لذلك أيضًا الصياغة والتحرير ليس أمرًا عابرًا.
ويجب احترام الكتابة كحق واحترام استثمارها وأفتح الباب بهذه المقالة للنقاش الحق يقي في الأمر.
ومخاطر هدر حقوق الملكية الفكرية في الأدب والكتابة أبرزها:
1- تسرب الموهوبين والمبدعين لعدم وجود دخل مناسب.
2- توفير مصادر رزق المواهب نظير عملهم.
3- عدم القدرة على التفريق بين الحقيقي والمزيف والمبدع والتاجر والأصيل والمصنوع.
4- قتل الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية.
5- زيادة معاناة الكاتب رغم إنتاجه المميز المؤثر لضعف الأجر ورقة الحال.
وأذكر أخيرا أن في كل بلد نجد دائرة تختص بحق المؤلف من خلال اتفاقات منظمة الويبو، والمسئولية كبيرة على عاتق وزارات الثقافة واتحادات الكتاب والناشرين وكل مهتم بالفكر والثقافة على التوعية بأهمية مراعاة حقوق الملكية الفكرية في الأدب والكتابة خاصة في المسكوت عنه وفتح باب الشكاوى في هذا الأمر، والتحقيق في حالات انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
** **
صالح الغازي - شاعر وكاتب