ما الذي يجعل كاتباً يسطو على عمل غيره لينشر مقالاً؟. وإذا كان عاجزاً عن الإتيان بمثل العمل الذي سرقه فلم لا يبحث عن موضوع تؤهله قدراته ومعلوماته على الكتابة فيه، أخذاً بقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
ليس من سبب إلا حب الشهرة الذي يزين للسارق اتهام الوسيلة الإعلامية بالغفلة، والقارئ بالنسيان، والباحث بالانشغال ببحوثه عن سُرَّاقها.
أتظن الكاتبة (نور أحمد) أن مقالها المعنون بـ (إشراقات عربية في إبداع لوركا) سيمر مرور الكرام على الباحثين والقراء بعد أحد عشر عاماً من نشر الدكتورة منى ربيع بسطاوي بحثها الذي سطت عليه؟
وهل خُيِّل إليها أن إرفاق صورتها بالمقال، وبريدها الإلكتروني، والرقم الذي يشير إلى عدد مقالاتها السابقة ( 39 مقالاً ) سيجعل القارئ يصرف تفكيره عن إمكانية أن يكون المقال مسروقاً؟.
وهل بلغت بها الثقة في قدرتها على استغفال القارئ أن تنشر مقالها بالعنوان نفسه الذي اختارته الباحثة الدكتورة منى لبحثها؟
ألم يخطر في بالها كيف يمكن أن تختصر بحثاً موثقاً ومحكَّماً من ثلاثين صفحة من القطع الكبير، في مقال لا يصل في عدد كلماته إلى ثلاثمائة؟!
أكثر الظن أن تفكيرها هداها إلى أن تأخذ من كل صفحة جملة، لتأتي لنا بمقالة مفككة الأجزاء، مثقلة بمعلومات وآراء، يدرك القارئ الحصيف للوهلة الأولى أنها ليست من اختراع الكاتبة.
لقد درج سُرَّاق النصوص إلى إحدى وسيلتين؛ فالعاجز أو الكسول ينسخ النص كله أو بعضه، وينسبه لنفسه. أما المحترف فيجري عليه تعديلات أسلوبية مع إضافة شيء من إنشائه دون الإخلال بالمعنى، وأول ما يجري عليه التغيير هو العنوان حتى لا تكون سرقته واضحة للعيان.
لكن لكاتبتنا أسلوبها الذي سيتبين للقارئ الكريم فيما يلي:
1 - كما أشرت سابقاً فعنوان المقال هو نفسه عنوان بحث الدكتورة منى (إشراقات عربية في إبداع لوركا).
2 - لم تأتِ الكاتبة في مقالها بكلمة واحدة من عندها، فالجمل جميعها مقتطعة من بحث الدكتورة.
3 - سردت الكاتبة مقولات بطريقة جازمة، وموحية بأنها هي صاحبتها، في حين أن الباحثة أشارت إلى أنها من أقوال بعضهم، وعرضت بعضها بوصفها آراءها وتساؤلاتها. فعلى سبيل المثال: تقول الكاتبة: «لوركا الشاعر الأسطورة». في حين أن الباحثة تقول: «حتى إنه تحول عند البعض إلى أسطورة».
وتقول الكاتبة: «في شعره نكهة أندلسية». أما نص الباحثة فهو: «ووجد النقاد في شعره نكهة أندلسية».
وتنعت الكاتبة لوركا بعندليب الأندلس وكأنها هي من منحه هذا اللقب، في حين تقول الباحثة: «كان معاصروه يتحدثون عن المتعة التي كانوا يجدونها في الاستماع إليه وهو ينشد شعره، ولهذا أطلقوا عليه اسم (عندليب الأندلس).
وتقول الكاتبة: «تأثر بالشعر العربي الاندلسي خاصة والمشرقي بصفة عامة». وقد أسقطت عبارة الباحثة: «وقد ذهب كثير من النقاد والباحثين إلى أن ...».
وتورد الكاتبة شكها في أصل لوركا العربي فتقول: «من الجائز أن يكون والد لوركا من الموريسكيين العرب». وهي العبارة نفسها لتي أوردتها الباحثة.
وتنتهي الكاتبة إلى الحقيقة التالية، وكأنها صاحبتها: «فهو شاعر عربي كان يكتب بالإسبانية». في حين أن الباحثة كانت تتساءل: «وبعد، فهل نبالغ إذا قلنا إن لوركا شاعر عربي كان يكتب بالإسبانية؟».
4 - حتى النصوص التي عزتها الباحثة - كما تقتضيه الأمانة العلمية - لأصحابها ووضعتها بين قوسين، نسبتها الكاتبة لنفسها. ومن ذلك قولها: «كان مؤمناً بالعروبة وهو عربيا أكثر منه أندلسيا». ونص الدكتورة: «وفي مقابلة أجراها الصحفي الإسباني «مينديث دومينغيث» Menude Donigue 1931 مع لوركا يقول: «إن لوركا يؤمن بالعروبة. إن لورکا لهو أكثر منه عربيا منه أندلسيا».
ونسبت الكاتبة لنفسها المقولة التالية: «ديوان (التماريت) ضم مجموعة من القصائد تكريما لشعراء غرناطة العرب الذين نقشوا جدرانهم على قصر الحمراء». وهذه الجملة مقولتان لشخصين؛ مستشرق وصحفي، وليست مقولة واحدة. وهذا هو نص الباحثة: «المستشرق الإسباني إميليو غرسية غومث Emilio Garcia Gomez الذي ذكر أن لورکا نفسه قد أبلغه أنه ألف ديواناً بعنوان (ديوان التماريت) Divan del Tamarit يضم مجموعة من الغزليات والقصائد تكريماً لشعراء غرناطة العرب. وقد علق الصحفي لويس غونغورا Luis Congora على محاضرة لوركا التي كان قد ألقاها في برشلونة عام 1930 قائلاً: «ديوان التماريت الذي أهداه إلى الشعراء العرب، الذين نقشوا أشعارهم على جدران قصر الحمراء».
وتنقل الباحثة نقلاً مشوهاً العبارة التالية: «وكان له القدرة على التصوير الحسي للعالم الواقعي للفكر العربي الراسخ في مناطق جنوب إسبانيا». والعبارة مجتزأة من قول عبد الرحمن بدوي؛ مترجم مسرحية (عرس الدم)، وقد أوردتها الباحثة بين علامتي تنصيص: «فهذه المقدرة على التصوير الحسي للعالم الواقعي، واللاواقعي قد انتقلت إلى لورکا من شعراء العربية الذين يغلب على إبداعهم الطابع الحسي، وإن لم تكن هذه الصفة قد انتقلت إليه بوساطة الوراثة والدم، فمن المحتمل أنه تلقاها بوساطة التراث الفكري العربي الذي يطبع بميسمه الراسخ المناطق الجنوبية من إسبانيا خاصة».
5- لم تعبأ الكاتبة بمقولة جورج بوفون: (الأسلوب هو الإنسان)، ولم تدرك أن هناك ألفاظا خاصة بكل كاتب للتعبير لا يمكن أن يتفق اثنان على استخدامها، فقد نقلت حرفياً عبارات هي من التعبيرات الخاصة بالباحثة، مثل: «متخذا من المسرح ملعبا لعبقريته»، «أنجز اللوحات التكعيبية على طريقة بيكاسو»، «يجعل البحر الأبيض المتوسط قابلاً للصمود».
6 - حرص الكاتبة على الاختصار جعل نقلها نقلاً مبتوراً، إذ أسقطت كلمات مهمة أدت إلى استحالة فهم المقصود، كهذه الجملة: «واتخذ فكرة جمهور الريف والقرى بروائع المسرح الكلاسيكي لتثقيف الشعب والارتقاء بمستواه الفكري». وإذا عدنا لنص الباحثة وجدناها تقول بأفصح عبارة: «وكانت الحكومة قد عهدت إليه بأن يشرف على المسرح الشعبي، فألحت به فكرة جريئة، كانت حلم حياته منذ سنوات، وهي تعريف جمهور الريف والقرى النائية الفقيرة بروائع المسرح الكلاسيکي، فكانت أفضل وسيلة وأيسرها لتثقيف الشعب والارتفاع بمستواه الفكري هي تأليف فرقته التمثيلية، تجوب المدن والقرى».
7 - كما أوقعها النقل دون استيعاب لما تنقله في أخطاء لغوية، مثل قولها: «واصفا الشعور الذي يعتلي المرء». والصحيح (يعتري). ومزجت مقولتين للوركا في مناسبتين مختلفتين، ففقدتا معناهما، وهذه عبارتها: «قائلاً في كل مكان ثمة دواع عربية هنا وهناك ترن اصداء الصبار العربي». ولكي نحل هذا الطلسم نرجع لبحث الدكتورة منى فنجدها تقول: «وفي حديث له يقول: «في كل مكان ثمة دواع عربية». وفي آخر يقول: «هنا وهناك ترن أصداء الصبار العربي».
ومن تشويه الحقائق لدى الكاتبة هذا النص: «وتغزَّل بأغانيه بثلاث فتيات عربيات نظمها على طريقة الموشحات الأندلسية، متأثراً بالغزل والتراث العربي، وظهر ذلك في قصائد: (عاشق)، (أيم في قداس الصلاة)، (رُقية)». فقد ظنت أن تغزله بالفتيات الثلاث جاء في ثلاث قصائد، والحقيقة أنها في قصيدة واحدة كما تذكر الباحثة بقولها: «وحين ننظر إلى الأغنية الشعبية عند لوركا (الرومانثة) التي يتغزل فيها بثلاث فتيات عربيات، نجد أنها تسير في طريقة نظمها على طريقة الموشحة الأندلسية التي كانت شائعة في الأندلس في القرن السادس عشر الميلادي، حيث يتكرر فيها الجزآن الأخيران من مطلعها فيصيران أقفالا ينتهي بها كل دور».
وأخيراً: فتأثُر لوركا بالشعراء العرب السالفين، وتأثيره في الشعراء العرب المعاصرين له، والآتين بعده أمر ملحوظ. وقد اتجه عدد من الدراسات إليه، منها كتاب (الألفاظ العربية في شعر لوركا) لمحمد عبد الرحمن عنفوف، الذي أصدرته المجلة العربية سنة 2012 ، وبحث الدكتورة منى بسطاوي الذي عرضتُ في هذه المقالة لعملية السطو عليه بحث مهم لأنه مليء بالشواهد التي لا تدع مجالاً للشك في تأثر لوركا بالشعر العربي ولا سيما الأندلسي، وهو بحث محكم ومنشور في مجلة كلية الآداب بجامعة (كمبلوتنسي) بمدريد، والدكتورة خير مرجع في هذا الموضوع لأنها خريجة جامعة غرناطة عام 1996 ورسالتها للدكتوراه كانت تحقيق شعر ابن زمرك. ولعلني أعرض بحثها الرصين في مقالي اللاحق.
** **
- سعد عبد الله الغريبي