التفاؤل والتشاؤم والغضب والحلم والفرح والحزن وما شابه ذلك، كلها ردود أفعال لحظية وطبيعية للبشر جميعا دون استثناء. وهي مقبولة إلى الحد الذي لا تؤدي بعد تخطيه إلى فعل يؤذي صاحبه أو الآخرين.
لكل فرد مقدرة قد تكبر أو تصغر لعدم تخطي الحد المشار إليه. وهذه المقدرة تتكون من ملكاته الشخصية التي اكتسيها عبر التربية وتجربته الحياتية، بالإضافة إلى مقدار الوعي والثقافة العامة لديه.
سألني أحد الأصحاب مرة: كيف تستطيع متابعة نشرة الأخبار وكلها قتل وذبح ودمار؟، فأنا انقطعت عن المتابعة منذ زمن بعيد، وأرجو منك أن تلغي الأخبار وتضع لنا أغنية تفرح القلب! فقلت له: من ناحية طلبك فسأستجيب له حالاً؛ أما سؤالك فبالرغم من كآبة المنظر؛ إلا أن لدى بصيص من التفاؤل بتغيير أفضل؛ وأنا متمسك به. فقال وهو يبتسم: أهنئك على هذا التفاؤل!
لقد كان وما زال صاحبي هذا محقاً بتهنئتي؛ حيث أنني شعرت بعدم تخطي «الحد» ولم ألجأ لليأس أو القنوط جراء كآبة المنظر؛ بل وبالاضافة إلى ذلك؛ شعرت لوهلة أنني زرعت بذرة للأمل في صاحبي.
بيد أن هذه الحادثة «فردية»؛ ومن حق أي فرد أن يصل بردود أفعاله إلى مديات يحددها هو؛ وقد تصل إلى اضعاف نشاطه واهتماماته؛ ولكن بشرط أن لا تؤثر سلباً على المحيطين به. أما الفنان أو المبدع بشكل عام؛ فمادته الأولى ليس ذاته؛ بل المتلقي أو المتلقين لإبداعه؛ وإذا كان متشائماً سينعكس ذلك على المتلقي؛ وفد يقع ضحية للقنوط وربما الانتحار!.
يدرك معظم المبدعين أنهم ملك للناس وليس لذواتهم؛ وأن واجبهم محاربة اليأس في نفوس الناس؛ حتى لو كان ذلك على حساب مشاعرهم الذاتية. فالواجب الأخلاقي و»الإبداعي» المبدئي؛ هو بث الحيوية والنشاط والتفاؤل والأمل؛ وحتى الحلم الجميل في نفوس المتلقين!
قال أنطوان سعادة الذي أعدم وهو يبتسم في لبنان إبان الاستعمار الفرنسي: «التشاؤم خيانة لدم الشهداء». وقال الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري- في وصف يوسف سلمان يوسف- المكبل بالأغلال وهم يقتادونه للإعدام:
سلام على مثقل بالحديد
ويشمخ كالقائد الظافر
كأن القيود على معصميه
مفاتيح مستقبل زاهر
كلا المبدعين رأوا في المأساة فجراً جديداً يطل على المجتمع بالرغم من قساوتها، لأن همهما الأول ليس ذواتهما، بل العنفوان الاجتماعي!
نفر من المبدعين يأسرهم اليأس وينعكس بأعمالهم. ولكن الأنكى من ذلك أن معظم المنابر الإعلامية- وخاصة جيوش التواصل الاجتماعي- همها الأول والأخير بث اليأس في نفوس المتلقين! فتراهم ينشرون حتى الأخبار المفرحة، بصياغة تبعث التشاؤم واليأس. فلا ألومن إذن صاحبي الذي فضل التراجع على المواجهة. ولكن كلي أمل ألا تقع أنت عزيزي المتلقي بالسم القاتل المسمى «قنوط».
** **
- د. عادل العلي