ميسون أبو بكر
كانت أول رحلة مدرسية أقوم بها في طفولتي إلى التلفزيون الكويتي مع أقراني من طالبات المرحلة الابتدائية، وبقيت تلك الوجوه التي رأيتها بعيدا عن الشاشة السحرية وفي الواقع محط إبهار لي، فقد كان التلفزيون الكويتي مميزا في استقطاب كفاءات وأصوات بقيت في ذاكرتنا إلى اللحظة، التقيت القدير حسين عبدالرضا والقديرات سعاد عبدالله وحياة الفهد والروائية المهمة ليلى العثمان، وماما أنيسة، فقد كان التلفزيون الكويتي آنذاك خلية لإنتاج البرامج المتنوعة والمسلسلات وتقديم الأخبار وإنتاج برامج تربوية تعليمية ترفيهية تثقيفية كافتح يا سمسم وغيرها.
شاء القدر أن أعمل في 2005 في التلفزيون السعودي الإخبارية تحديدا، وفي مبنى التلفزيون العظيم الذي يشهد له أهل الخبرة أنه من أهم المباني التلفزيونية في المنطقة التي أسست بشكل احترافي وإمكانات هائلة واستديوهات ومسارح رهيبة كان لها أن تنتج أهم البرامج والأعمال، والتي شهدت مع الوقت اهتماما أزاح الغبار عن مسرح التلفزيون الذي عطل طويلا والذي حكى لي بعض الفنانين الذين التقيتهم وقد شهدوا ولادته كالقدير سعد خضر بدايات العمل والإنتاج به وذكرياتهم معه، وأعمالهم المشتركة مع مبدعين عرب.
لظروف نعرفها كان العمل خجولا لكنني شهدت جهودا عظيمة لأساتذة عملت معهم شهد التلفزيون حراكا رائعا أثناء فترة عملهم أذكر منهم المهندس صالح المغيليث الذي جعل من التلفزيون آنذاك خلية نحل وجمع أوصاله وقنواته وكانت روحه الخلاقة وتعامله مع الجميع بود ومحبة له ظلاله الطيبة على العمل التلفزيوني.
يصعب أن أذكر كل الرائعين الذين عملت معهم كأسرة واحدة ومنهم من تنبه لعدم الوقوع في شرك التنافس الإعلامي السلبي الذي قد يدفع بصاحبه للأنانية الشخصية وإيقاع الضرر بالعمل الإعلامي الجماعي الذي يضر الجهاز ككل.
كلما مررت بمقر برج التلفزيون في الوشم توقفت بمركبتي لأقدم التحية لهذا المكان الذي افتخر أنني كنت لسنين (16 عاما) من منسوبيه وفي عصره الذهبي الذي شهد الإعلام السعودي تحولا واضحا حيث انطلق يشع في الفضاء العالمي ببرامج ثقافية وسياسية وحضور يشكل بوصلة المسلمين الذين يتابعون البث المباشر من الحرمين الشريفين.
الجهود كانت حثيثة لتقديم البرامج المتنوعة وللنهوض بالمشهد السعودي داخل حدود الوطن وخارجه في المناسبات المختلفة، وكانت فرق العمل كخلية نحل رغم عمل معظم الشباب كمتعاونين وعدم تفرغهم للعمل الإعلامي، ولن أنسى ما حييت تلك العلاقة الأخوية التي كانت تجمعنا كالأسرة الواحدة والتي تجلت بوضوح في رحلاتنا الخارجية حول العالم في مناسبات مختلفة، أذكر رحلاتنا لتونس ومصر والمغرب والبرازيل وفرنسا وألمانيا والجزائر واليمن وهيوستن في الولايات المتحدة وتفاني الفريق للخروج بأفضل التغطيات رغم بساطة الإمكانات والمردود المادي.
بمناسبة يوم التلفزيون وهو الاحتفال الحقيقي به أتمنى بالفعل أن يواكب العمل الإعلامي رؤية 2030 كما فعلت جهات وهيئات متعددة في الدولة وانتفضت لتواكب الرؤية، هناك برامج مهمة ما زالت تنتظر ولادتها في التلفزيون، وكفاءات سعودية تحتاج إلى صقل وتدريب دؤوب وثقافة لا بد أن يلم بها المعد والمقدم والمصور وفريق العمل، كما خبرات مهمة لا يجب أن تركن أو توضع على الرف لأن الشباب اليافعين بحاجة لثراء وخبرة وإلمام أوسع.
لا بد للإعلام السعودي أن يكون عملاقا كما هي الرؤية وكما هي الخطط الحثيثة لهذه البلاد، كما العمق في الطرح والأداء والتنوع في البرامج ومخاطبة الآخر في الخارج وعرض القضايا العادلة للدولة فالإعلام سلاح ذو حدين، يجب تقديم أبنائنا بما يليق بالإعلامي السعودي سواء في القنوات الخاصة أو الحكومية وما زلنا بحاجة ماسة لتنشيط الإعلام الثقافي الذي يوافق أنشطة الدولة خارج حدودها لأن الثقافة عنصر مهم في تشكيل الوعي وصورة الإنسان السعودي خارج حدود وطنه، وهنا أقصد الثقافة بمعناها الواسع وليس نطاقها الضيق وفق خطط منهجية مدروسة.
كل عام والمكان الذي اعتبره موطئ روحي بخير، وكل عام وزملائي الكرام بألف خير، الأساتذة محمد الماضي ومحمد التونسي ومحمد باريان وفهد هديب وسليمان الحمود وطلال الشهري، وريما الشامخ وإيمان شعبان مها السليم وآخرون.