أ.د.عثمان بن صالح العامر
منذ سنوات وهذه الثنائية (السوق) و(الجامعة)، الدراسة أو العمل تتجاذب شريحة من طلاب وطالبات هذه المرحلة التعليمية بالذات، ومع ما بذل من جهد من أجل إيجاد التوافق والتناغم بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل أو على الأقل لم تصل بنا إلى المستوى المنتظر والمأمول بوجه عام طبعا، والدراسات تدلل وتبرهن على ذلك، والواقع يثبت ويؤكد ما سبق، وذلك راجع في نظري إلى عدم وجود أرضية مشتركة يمكن الوقف عليها والتحرك من خلالها، فالقطاع الخاص يبحث عن المهارة في الأساس سواء التقنية أو اللغوية أو التسويقية أو القيافة والكاريزما الشخصية، وجامعاتنا في أغلب تخصصاتها النظرية تعطي معارف جامدة لا تتوافق مع طبيعة السوق المتسارع والمنافس والمرن الحر المفتوح، الأمر الذي أدى إلى اتساع الفجوة، وتعاظم الهوة بين هذين القطبين، وكان لزاماً على الطالب من الطبقات ذات الدخول المتوسطة فضلا عن الفقيرة أن يختار بينهما أو على الأقل يفاضل ومن ثم يعيد في ذهنيته ترتيب الأولويات لديه، محاولاً في ذات الوقت الجمع ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وبالفعل هذا ما حدث في الواقع خلال السنتين أو الثالثة المنصرمة، وإن كنت لا أملك دراسة ميدانية أعول عليها وأحيل إليها، ولكن من خلال المشاهدة والسؤال في محيطي الاجتماعي أكاد أقطع باحتلال السوق اليوم منزلة الجامعة من قبل وكذا العكس، وقد يكون من بين الأسباب التي تقف خلف هذا التغيير الإرادي:
- عدم اكتراث القطاع الخاص بالشهادة الجامعية المنبتة عن ايقاع السوق ومهاراته.
- وكذا متطلبات الشاب والفتاة الحياتية التي تفرض عليهما البحث عن مصدر رزق يرفع عن الأسرة كاهل مصاريفهما الشخصية.
- إضافة إلى وجود منافذ للتوظيف جديدة تتوافق مع رغبات هذه الشريحة وتلبي متطلباتهما الذوقية ولا تخدش مفاهيمهما الشخصية المتوارثة - في نظرهما طبعا-.
- هذا من جهة، ومن جهة ثانية تساعد هذه التغييرات صاحب المشروع في تحقيق شرط السعودة، واستقطاب الطلاب والطالبات بثمن بخس خلاف غيرهما.
وحتى تكون الجامعة على الأقل محافظة على مركزيته في ذهنية جيل اليوم لا منافسة السوق -التي أعتقد أنها صعبة بل مستحيلة في المدى المنظور على الأقل- فإن عليها: أن تعيد النظر في خططها، وتركز بشكل مباشر وقوي على تنمية المهارات، وتسوق خريجيها بشكل جدي من خلال الأرقام والمراهنات لا بالدعاية الباهتة والكلام المستهلك، وإلا سيأتي اليوم الذي تحل فيه شهادات معاهد التدريب المهاري محل الشهادات الجامعية ولن يبقى إلا الكليات النوعية التي مازالت محافظة على مكانتها ومتربعة على الصدارة مع قلة المقاعد المتاحة فيها للأسف الشديد، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.