سهوب بغدادي
في يوم ليس ببعيد، ذهبت إلى طبيب المخ والأعصاب لإجراء الفحوصات اللازمة نظرًا لمعاناتي من الصداع النصفي «الشقيقة» لفترات طويلة، وكانت النتائج بحمد الله جيدة، مما زاد حيرتي، فعندما يمرض الشخص يأخذ العلاج لكن ما لم أعهده هو العلاج الوقائي، بمعنى أن تأخذ جرعة معينة من علاج للوقاية من عرض قد يصيبك، أمر جميل ولكن ماذا لو لم يصبني العرض؟ فسأكون أدخلت مواد كيميائية في جسدي دون حاجة لها. كان ذلك موضع المناظرة بيني وبين سعادة الدكتور فهد القريشة عندما اقترح لي دواء يقلل من نوبات الصداع النصفي والضريبة بعض الآثار الجانبية بالتأكيد، عندها ذكر لي الدكتور أن في مقدمتها «خسارة الوزن» ثم توقف لوهلة، فقلت له: لا، أريد أن أخسر الوزن! فضحك الدكتور في ذهول وقال: أنت أول شخص لا يرغب في هذا الأمر، أمر غريب! فقلت: حقًا أرغب في خسارة الوزن ولكن ليس بهذه الطريقة، وأنا أمارس الرياضة في الوقت الحالي وأحاول أن أتبنى أسلوب حياة صحياً قدر الإمكان، فهلا أخبرتني عن الأعراض الأخرى غير المغرية؟ فقال: الأعراض الأخرى تعتمد عليك، منها النسيان ولكن لا يرقى إلى مصطلح النسيان فهو بمثابة بحث الشخص عن كلمة معلقة في دماغه ولكنه لم يجدها بعد، وجدت أن أقرب تعريف لها بالعامية «عارفها بس ناسيها» أو «عارفها بس قول معايا» فقلت دكتور: سأقرأ عن العلاج وأعود لك. من ثم قال لي إن العلاج آمن وفوائده أكثر من مضاره وإن الأمانة العلمية تقتضي أن يكون الطبيب محايداً ويقدم الأنفع والأصلح للمريض، وأنا أتفق معه في هذه النقطة تحديدًا، حيث يعمد بعض الأطباء للترويج بشكل غير مباشر لأحد العلاجات من شركة معينة وذلك يعد تحيزًا، من هنا لفت الدكتور انتباهي إلى «تأثير النائم» عندما يتعرض الناس لعدد من الرسائل وإن كانت سطحية بغرض الإقناع والتأثير، تم تقديم المصطلح بدايةً بواسطة (كارل هوفلاند الأستاذ من جامعة ييل) وكانت بداية ضمن محاولة لجعل مفهوم الحرب إيجابياً ففي الأربعينيات، خلال الحرب العالمية الثانية، قامت الحكومات بتدشين الكثير من الحملات الإعلانية لجعل الناس يرون الحرب من منظور إيجابي، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بقياس أثر حملاتها على الناس حيث خلص المسح إلى أن الأفلام القصيرة لم تكن ذات تأثير يذكر ولكن ظهر التأثر بعد 9 أشهر تدريجيًا وبمقدار طفيف. لذا يعد هذا التأثير من الأساليب النفسية أو الحيل المتبعة في التسويق والإعلان والإلام بشكل عام، ونرى هذه اللعبة وإن كانت خفية في خطابات السياسيين وحملاتهم الانتخابية، فكل شيء مدروس وإن كانت الدعاية سلبية «بروبجندا» ومن خلال العودة لتاريخ الحملات الانتخابية نجد على الدوام أموراً سلبية تحدث للمرشح أو فضائح وغيرها فهل هي حقًا كذلك؟ إن كثرة التعرض للشيء تجلب الألفة والتعود وبالتالي تعميم المبدأ والفكرة وذلك ما تستخدمه أذرعه الإعلام السلبية أو المعادية لخلق الفكرة عن دولة أخرى أو شعب أو حدث ما. إن أبسط ما يكون مثالًا الحملات الدعائية للجمعة البيضاء الآن ومن أحد أنفع وأنجع الوسائل هي الترويج للمشاعر، من خلال تصوير الفرح أو النكتة والفكاهة عبر أغنية أو موقف كوميدي إذ أثبتت هذه الطرق فعاليتها، على سبيل المثال، تعمد شركات الاتصالات على تعميم نغمة معينة ضمن الدعايات لكي ترتبط بشركتهم وتكون النغمة موسيقياً ضمن سُلم معين «السلم الموسيقي المبهج»، أو كلمة وجملة معينة تحمل معاني الهيمنة، «كل اللي تحبه». كما تم إغراق المنصات بدعايات العملات الرقمية «البيتكوين» والأسهم وما إلى ذلك، كنا سابقًا نقول أنت ما تأكله، you are what you eat ولكنني أرى أن الجملة الأصح هي انت ما تستهلكه سواء كان طعاماً أو أنشطة أو مواد إعلامية وما إلى ذلك you are what you consume .