تفسر مفاهيم علم الاقتصاد الصعبة أفضل تفسير باستخدام كلمات بسيطة ومعبِّرة. ويفترض أن يصف علماء الاقتصاد ما يجري ويفسرونه. وأفضل هؤلاء العلماء يعرفون ما يحدث وبإمكانهم إقناعنا. لكن المشاكل تطرأ عندما:
- يكونون على علم بما يحدث، لكنهم لا يستطيعون إقناعنا.
- أو لا يعلمون، لكنهم يحاولون إقناعنا على أي حال.
- أو يعلمون أن حقيقة الأمور تختلف عما يحاولون إقناعنا به.
إن من السهل جداً مواربة الحقيقة في مجال الاقتصاد، والتساهل حيال ذلك، على الرغم من ضرره البيِّن، أكثر بكثير في الاقتصاد من غيره من الفروع المعرفية الأخرى. وهناك سبب آخر لذلك هو أنه في مجال الاقتصاد يسهل خداع الناس، وإقناعهم بوجود علاقات ليست موجودة فعلياً ضمن العمليات الاقتصادية مثل: الادخار والتراكم والاستثمار والإنتاج والتجارة والتمويل.
وعندما يدلي علماء الاقتصاد بتصريحات يتبين عاجلاً أو آجلاً أنها غير صحيحة، نُترك نحن أمام إشكالية: هل كانوا على خطأ أم كانوا يكذبون؟ ولا توجد احتمالات أخرى، ربما باستثناء أنهم كانوا مخطئين إلى حد ما، وكاذبين إلى حد ما.
هذه الحجج والأمثلة، التي لا يصعب أن نجد الكثير منها بالرجوع إلى تجارب كثير من الدول في فترات عدة، ينبغي أن تساعد في فهم أسباب ظهور أمور سيئة وكأنها جيدة، وينبغي أيضاً أن تمدنا بالمعرفة اللازمة لتجنب الأخطاء.
فلقد كتب الكثير عن كيفية تضليل الناس بالعلم، وكيف يمكن أن يصروا على الخطأ فترات طويلة، واضعين ثقتهم في هراء وخزعبلات وعلم زائف وخرافات وخداع. لكن مع الأسف، نادراً ما كُتب حول هذا الموضوع في مجال الاقتصاد.
يصف فرانسيس وين في كتابه: ((كيف اجتاحت الترهات العالم)) هذا الأمر وصفاً ساخراً وهزلياً إلى حد ما. وفوق كل هذا، وصفاً ذكياً. وربما يجب التعامل مع الترهات باعتبارها فئة خاصة في علم الاجتماع والعلوم السياسية، فهي لا تلعب دوراً هيِّناً في الاقتصاد.
إن وصفة صياغة الترهات الاقتصادية سهلة، وهي كما يأتي: أولاً: بسِّط الأمور قدر الإمكان، ثم بالغ. كأن تقول على سبيل المثال: إذا خصخصنا كل شيء فسيتحسن كل شيء سريعاً. أو على العكس: إذا أمَّمنا كل شيء فسيتحسن كل شيء أكثر فأكثر. هذا يعتمد على الفترة الزمنية التي يدخل فيها الهراء إلى عقولنا لتشويشها.
ومن الأمثلة الأخرى على تلك الترهات شعار إما أن تبتكر أو تتوقف عن العمل. الذي ظهر مؤخراً، فقد كان هذا اتجاهاً شائعاً في كليات وأقسام الإدارة. ومع أنه ما من شخص عاقل يمكن أن ينكر أهمية الابتكار البالغة في تحقيق مزيد من الإنتاجية والتقدم الاقتصادي بوجه عام، فإننا نعلم أيضاً أن التطور كان ممكناً لقرون معينة من دون وجود أي قدرات ابتكارية بارزة. وحتى يومنا هذا، لا تتوقف أغلبية الدول (الاقتصادات الوطنية) والغالبية العظمى من الشركات عن العمل نتيجة لغياب موهبة الابتكار، بل تجري أمورها على ما يرام، وتحقق عيشاً كريماً.
وللأسف تسببت هذه الأمثلة وغيرها من الترهات والأكاذيب في ضرر لا حد له، على المستويين المادي والفكري على حد سواء. فعلى أي حال، نحن لا نعيش في عالم من الكلمات فحسب، بل من الأفعال أيضاً، بما فيها الأفعال الخاطئة والضارة. والكثير من تلك الأفعال لا يمكن إصلاح عواقبه. لقد عانينا الخسائر والأضرار بالفعل.
إن الاقتصاد يشبه طريقاً وسط الغابة، حيث من السهل جداً أن تضل الطريق، فعندما تستدير كي تعود أدراجك يبدو الطريق وكأنه نفس الطريق الذي سلكته، لكنه لا يكون كذلك.
إن التغيُّر لونٌ اقتصادي قائم بذاته، قد يكون بالغ العمق، ويمتد إلى جوهر الظواهر أو العمليات التي يجري بحثها. ومع الأسف، بدلاً من التكيف مع التغيير، غالباً يتطلع الاقتصاديون إلى دول أكثر تقدماً وذات ثقافات مختلفة، وتقنيات أكثر تفوقاً ومؤسسات أكثر نضجاً، ويستعيرون منها تفسيرات، وعناصر نظرية، وحتى مذاهب فكرية، حتى إنهم يواجهون فيما بعد مشكلة في التكيف مع الظروف المحلية، وهذا يجعلهم كمن ينتعل فردتي حذاء للقدم اليسرى.