واس - جدة:
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، افتتح صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة أمس اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية «روسيا والعالم الإسلامي»، الذي يعقد هذا العام بمحافظة جدة تحت شعار «الحوار وآفاق التعاون»، بحضور الرئيس رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية، ومشاركة المسؤولين والعلماء والمفكرين من روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي.
واستهل الاجتماع سمو الأمير خالد الفيصل بكلمة ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين
أصحاب الفخامة والسمو والمعالي الإخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستهل حديثي بالترحيب بكم نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله وأنقل لكم تحياتهما وتمنياتهما الصادقة بنجاح هذا الاجتماع.
نجتمع اليوم في منطقة مكة المكرمة، ليكون ثاني اجتماعٍ للمجموعة الموقرة في بلد الحرمين وأرض الرسالة ومهبط الوحي.
كما أرحب بالسيد رستم مينيخانوف رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية رئيس جمهورية تتارستان، التي دخل الإسلام فيها منذ القرن الرابع الهجري، ونشرت حينها الإسلام، وتعليم الدين الإسلامي الحنيف حتى عصرنا هذا، ومن ذلك احتضان مدينة كازان لأول جامعة إسلامية في روسيا.
كما أُرحب بأصحاب الفضيلة، وأمناء العموم للمنظمات، والحضور الكريم.
تؤكّد المملكة على أهمية هذا الاجتماع الإستراتيجي بين العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتكثيف سُبل الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، وزيادة التعاون المشترك في مكافحة التطرف والإرهاب.
يتّسم الدين الإسلامي بالتسامح والوسطية، وهذا ما أعطاه قبولاً لدى البشرية بمختلف أجناسها وأعراقها، وللمملكة دور مشرّف في تبني مبادئ الاعتدال والتعايش المشترك، حيث سعت جاهدة لدعم الجهود الإقليمية والدولية في هذا المجال، وقدمت العديد من المبادرات في هذا الشأن، أبرزها: تبني وثيقة مكة، ودعم مكتب تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، وتلتزم المملكة بدعم أي جهود مستقبلية تهدف لخدمة هذه المبادئ، إيماناً منها أن الاختلاف لا يعني الخلاف وأن التسامح يدعو للتسامي.
الإخوة الكرام إن العلاقات السعودية - الروسية وطيدة وتاريخية، فقد تجاوزت عامها الخامس والتسعين، وقد شهدت العلاقات قفزات نوعية في السنوات الأخيرة، وتوّجت بزيارات عالية المستوى بين البلدين، أسفرت عن التوقيع على العديد من الاتفاقيات المشتركة في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والدفاعية، ومهدت الطريق لتطوير هذه العلاقات وترسيخ مستوى الثقة بين بلدينا.
تشترك المملكة مع روسيا في عدة مبادئ رئيسة منها احترام الشرعية الدولية، وتأسيس العلاقات على أساس الاحترام المتبادل وسيادة واستقلال ووحدة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتتمسك الدولتان بالالتزام بنظام عالمي عادل يسوده القانون الدولي، ويُعزز الأمن والاستقرار، ويكون مرجعاً في حل النزاعات الإقليمية، كما تتمتع كل من المملكة وروسيا بعضوية مجموعة العشرين، ومجموعة «أوبك بلس»، مما مكنّهما من العمل الجماعي في إطار هاتين المجموعتين لتعزيز التعاون الدولي.
كما تُشاطر روسيا العالم الإسلامي اعتناق مبادئ راسخة، باعتبارهما يشتركان في الإرث الثقافي العريق، وهذا يُمهد الطريق لتفعيل دور المؤسسات الدينية، وتنمية بيئة داعمة للتعايش السلمي بين أتباع الأديان والأعراق المختلفة، والمحافظة على دور الأسرة والقيم الروحية، وحماية حقوق الإنسان.
كما تربط روسيا بالعالم الإسلامي علاقات متينة متجذرة، ويظهر ذلك في وجودها عضواً مراقباً في منظمة التعاون الإسلامي لأكثر من (15 عاماً)، وأسفر ذلك عن تعاون مثمر مع المنظمة، كما يعيش في روسيا أكثر من (20 مليون) مسلم في وئام مع مجتمعاتهم، ويتمتعون بحقوق ممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
إن ديناميكية علاقة الدول الإسلامية بروسيا متشعبة ومتنوعة، وتهيئ لمد جسور التعاون العلمي والتكنولوجي وتعزيزها في مجالات التنمية، والتعليم، والبرمجيات، وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.
الإخوة الكرام لقد أظهرت التحديات الأخيرة التي تواجه عالمنا أننا جميعاً في مركب واحد، فلا توجد دولة أو منطقة في معزل عمّا يدور في العالم، وينطبق ذلك على النزاعات السياسية، وانتشار الأوبئة، والركود الاقتصادي، والتغير المناخي، بالإضافة إلى العديد من الأحداث والكوارث العالمية الأخرى، ومن هذا المنطلق تدعو المملكة دول مجموعة الرؤية لتعزيز التعاون المشترك لمواجهة هذه التحديات من أجل الخروج بأقل الأضرار التي قد تؤثر في مستقبل شعوبنا، حتى نصل سوياً إلى بر الأمان. إن التعاون الاقتصادي عصبٌ للترابط بين دول العالم الإسلامي وروسيا، وهناك فرص مواتية لدول مجموعة الرؤية، لتكوين شراكات اقتصادية متينة في مجالات عدة منها المنتجات الحلال، والتمويل الإسلامي، وعلينا استثمارها والعمل على تنميتها.
وفي الختام، آمل أن تسهم هذه المجموعة في تعزيز الوئام بين أتباع الأديان، وتطوير الحوار بين الحضارات والثقافات، وحماية القيّم التقليدية والروحية والعائلية التي تعصف بها اليوم رياح التغيير، مما يدفعنا إلى مواجهتها والاصطفاف لدرء مخاطرها لنسير بخطى ثابتة نحو التقدم والسمو.
إثر ذلك ألقيت كلمة فخامة رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين؛ ألقاها نيابة عنه رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف، رفع خلالها شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- على اهتمامه بتنظيم اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية.
وعبر فيها عن سروره بعقد هذا الاجتماع وشكره للجميع على الحضور للمشاركة، وبمناسبة افتتاح الاجتماع الدوري الجديد الذي يقام على هذه الأرض «قبلة العالم الإسلامي.
وقال: تولي روسيا أهمية كبيرة لتطوير العلاقات الودية مع الدول الإسلامية سواءً على الصعيد الثنائي أو الحوار مع منظمة التعاون الإسلامي، ومن المفيد أن مواقفنا بشأن العديد من القضايا الصعبة في جدول الأعمال الإقليمي والعالمي متقاربة للغاية؛ حيث يدعو جميعنا لبناء عالم ديمقراطي عادل قائم على سيادة القانون والتعايش السلمي بين الدول بعيداً عن أي إملاءات تستند إلى القوة وكافة أشكال التمييز.
وأشار إلى أن جدول أعمال الاجتماع ثريّ ومكثّف ويناقش سبل التعاون في مجال تسوية النزاعات والصراعات الإقليمية ومخاطر الإرهاب والتطرف الدوليين، كما أن قضايا التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والعلمية والإنسانية تستحق اهتماماً جاداً؛ آملاً أن يكون هذا العمل المشترك بنّاءً ومثمراً وأن يساعد في تعزيز التعاون والثقة المتبادلة بين الدول متمنياً للجميع كل النجاح والتوفيق.
بعدها ألقى رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية كلمة نوّه خلالها بما يوليه الرئيس بوتين من اهتمام كبير للتعاون مع البلدان الإسلامية؛ منذ عام 2005، حيث أصبحت روسيا عضواً في منظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب.
وقال: احتفينا بذكرى 15 عاماً لتأسيس هذه العلاقة، ومنذ ذلك الوقت أصبح التعاون بين بلداننا يكتسب أهمية بالغة ويرتفع إلى مستويات أعلى، ويتبيّن الآن أن كل المحاولات لفرض نظام عالمي جديد قائم على قطب واحد قد فشلت، فالكثير من الدول تميل نحو الاستقلال وطرح مواقفها، وعلينا أن نستفيد من الفرص المقبلة في علاقاتنا، وأن نزيد نشاطنا في مجال مكافحة الإرهاب وندافع عن القيم الأخلاقية التقليدية، ونحمي الذين يحتاجون إلى الرعاية بما فيها الأقليات القومية والدينية.
وواصل»علينا أن نكافح المخاطر الخاصة بتغير المناخ، وأن نقوم بتفعيل التعاون في كافة المجالات، وأن روسيا مستعدة لمساعدة الدول الأخرى، ونسعى أن تشكّل علاقات روسيا بالعالم الإسلامي قدوة لجميع بلدان العالم؛ وفي هذا الطريق تعود أهميته للمناطق الروسية ذات الأغلبية المسلمة من السكان، وإحدى هذه المناطق هي جمهورية تتارستان، وهي إحدى المناطق الأكثر تطوراً لروسيا الاتحادية ولها قدرات اقتصادية وثقافية ضخمة».
وأضاف يعد النموذج التتارستاني للتعاون السلمي والمتجانس بين مختلف الديانات والأقوام نموذجاً لحل العديد من المشاكل وتنفيذ المهام الخاصة بتنمية روسيا ككل، وإن جمهورية تتارستان في عام 922م اعتنق أجدادنا الإسلام في ذلك الوقت، وأصبح الإسلام منذ ذلك الوقت إحدى الديانات الأساسية في روسيا، وحرصت دولتنا على إقامة علاقات مع العديد البلدان الإسلامية في المجالات الاقتصادية والثقافية، ونحن نتعاون كذلك مع منظمة التعاون الإسلامي، والبنك الإسلامية للتنمية؛ ونطور عملنا في مجال الصيرفة الإسلامية وكل سنة يعقد في مدينة كازان تشارك فيه مجموعة الرؤية مشاركة نشيطة، كما أصبحت كازان منذ فترة قصيرة مركزاً للشباب المسلمين في روسيا.
عقب ذلك أُلقيت كلمة سمو وزير الخارجية ألقاها نيابة عنه معالي نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبدالكريم الخريجي أشاد فيها بدور منظمة التعاون الإسلامي على مدى أكثر من خمسين عامًا في التقارب بين الدول الإسلامية وتنسيق العمل الإسلامي المشترك، وعن جهود المملكة في دعم المنظمة ومساعدتها في تحقيق أهدافها ونصرة القضايا الإسلامية.
وأثنى على دور روسيا في المنظمة وجهودها على مدى خمسة عشر عامًا منذ انضمامها كعضو مراقب للمنظمة، إيمانًا منها بأهمية العمل المشترك وضرورة الحوار بين أتباع الأديان كأحد أهم أدوات تحقيق السلام حول العالم، مضيفاً أن هذا الاجتماع يقوّي روابط الحوار بين العالم الإسلامي وروسيا، كما يعدّد أطر التعاون والشراكات مما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي؛ حيث يعد انعقاده في المملكة إشارة إلى اهتمام القيادة الرشيدة وسعيها لتعميق الفهم والحوار بين مختلف الثقافات وأتباع الديانات والشعوب.
وأكّد معاليه أن المملكة تسعى لنشر ثقافة التعايش والتسامح، وبذلت في هذا الإطار جهودًا ملموسة في مجال تأسيس الحوار الدولي، وسعت لبناء حوارٍ داخليٍّ فعّال بين كافة أطياف المجتمع عبر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وأسهمت دوليًا في نشر ثقافة الحوار بين مختلف أتباع الأديان والثقافات، وذلك من خلال عدة مبادرات، أبرزها الإسهام في إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتبنّي وثيقة مكة، ودعم جهود مكتب التحالف بين الحضارات التابع للأمم المتحدة، وحرصت على متابعة كافة تلك الجهود وتطويرها عبر إنشاء لجنةٍ وطنيةٍ لمتابعة مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، إيمانًا منها بدورها الفاعل إقليميًا ودوليًا في مد جسور التواصل ورفع راية التعايش والسلام في عالم يكتظّ بالصراعات.
وأشار معاليه إلى أن العلاقات السعودية - الروسية شهدت على مدى 95 عامًا تطورًا مطردًا مبنيًا على أسس من الثقة المتبادلة، والتفاهم المشترك والتنسيق المستمر حيال القضايا والموضوعات التي تهم البلدين والمنطقة، مما عزز من فرص التعاون في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وأسهم في تحقيق النماء والرخاء لبلدينا الصديقين، وشارك في حماية الأمن والسلم الدوليين.
وأكّد معاليه في ختام كلمته أن هذه المجموعة تعد خطوة نحو تعزيز التفاهم والحوار بين روسيا والعالم الإسلامي، كما تسهم في تحقيق السلم والأمن الدوليين من خلال التعاون والتشاور في مختلف القضايا، وتعزيز الشراكات الاقتصادية»، متمنياً أن تثمر هذه الاجتماعات بما يحقق تطلعات وطموحات بلادنا وشعوبنا.
ثم ألقى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه كلمة أكّد فيها روح التعاون بين الدول والشعوب، من خلال ثقافة الحوار لا القطيعة، وتوسيع التشاركية لتحييد الأصوات الإقصائية، مشيراً إلى اهتمام روسيا الاتحادية بالعلاقات مع العالم الإسلامي، وصوته الجامع منظمة التعاون الإسلامي، ودولها الأعضاء، يقابله رغبة أصيلة لدى الدول الأعضاء، والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء لمواصلة التعاون وتطوير الروابط الثقافية والاقتصادية بين روسيا والعالم الإسلامي.
وأوضح بأن شعار الاجتماع «آفاق الحوار والتعاون» يتوافق واهتمامات الجانبين، الروسي والإسلامي، في مجال حفظ السلم والأمن وفض النزاعات ومقاومة التطرف والإرهاب؛ وكذلك قضايا التنمية المستدامة، حيث إن العالم الإسلامي وروسيا بإمكانهما تقديم إسهامات كبرى في حوار الحضارات والثقافات والأديان بما يعزز التفاهم والتقارب والوئام بين مختلف شعوب العالم.
كما أُلقيت كلمة معالي وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف ألقاها نيابة عنه رئيس الأمانة الدائمة لمنتدى الشراكة روسيا - إفريقيا، سفير متجول لوزارة الخارجية الروسية أو.أوزيروف؛ رحبّ فيها بالحضور والمشاركين في اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية «روسيا والعالم الإسلامي».
وأكّد أهمية هذا الاجتماع كونه على أرض مهبط الوحي، مقدماً شكره الجزيل للمملكة لاحتضانها هذا الاجتماع وسط الجهود المبذولة لتنظيمه، معبراً في الوقت ذاته عن سعادته لشراكة منظمة التعاون الإسلامي للمجموعة.
وقال: نشهد تقارباً كبيراً للمواقف الإسلامية الدولية، وعلى المجتمعين في جدة اليوم تقدير شامل لحالة وفاق علاقات روسيا مع العالم الإسلامي، ومناقشة المبادرات الرامية لتعزيز التعاون الإنساني والثقافي وتطوير الحوار بين الديانات.
ونوّه بأهمية مقترحات المجموعة الخاصة للحيلولة دون وقوع الأزمات والخلافات القائمة في البلدان الإسلامية، وبأهمية التعاون بشكل فعال مع الدول الإفريقية، لافتاً إلى أن روسيا قدمت دعماً كبيراً لحركة التحرير الوطنية بمختلف البلدان. وأشار إلى أن روسيا تعد أعضاء منظمة التعاون الإسلامي ليسوا أصدقاء فحسب بل شركاء اقتصاديين يمكن الاعتماد عليهم وتطوير التعاون فيما بيننا على أسس المنفعة المتبادلة.
وألقى معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف كلمة قال فيها: إن الرعاية السامية لأعمال هذا الاجتماع تأتي تأكيداً على أهمية العلاقات الإستراتيجية التي تجمع ما بين روسيا الاتحادية والعالم الإسلامي، وأهمية تعزيزها، لا سيما أن شعار الاجتماع هو الحوار وآفاق التعاون.
وأضاف أن المشاركة الكبيرة والواسعة لعدد من الشخصيات من العالم الإسلامي ومن روسيا الاتحادية في اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية روسيا والعالم الإسلامي يؤكّد على أهمية تعزيز قنوات الحوار وبناء الجسور على أساس من الفهم المشترك والرغبة الصادقة في خدمة البشرية، بعيداً عن الجنس واللون والديانة والعرق، ولعل جائحة كورونا «كوفيد - 19» أعطت الجميع درساً قاسياً ولكن في الوقت نفسه رسّخت مفهوم العمل الجماعي والتعاون كوسيلة وحيدة وفعالة لمواجهة التحديات والتعامل مع تداعياتها ضمن إطار التعاون الإنساني.
وأشار إلى أن مبادرة المملكة العربية السعودية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات شكلت إطاراً للالتقاء وطرح الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وتبادل الأفكار والآراء، بهدف الوصول إلى فهم مشترك واحترام متبادل؛ ولعل انتظام انعقاد اجتماعات مجموعة الرؤية الإستراتيجية روسيا والعالم الإسلامي منذ تأسيسها في عام 2006م، بعد انضمام روسيا الاتحادية إلى منظمة العمل الإسلامي بصفة عضو مراقب، يؤكد إيمان جميع الأطراف برسالتها وأهميتها، حيث عقدت المجموعة ستة اجتماعات منذ تأسيسها في كل من موسكو وكازان واسطنبول وجدة والكويت، وها هي مدينة جدة تستضيف اجتماع المجموعة وللمرة الثانية، بعد أن احتضنت مدينة جدة الاجتماع الرابع في عام 2008م.
ودعا معاليه إلى التركيز على تعزيز العمل المشترك والجماعي من خلال وضع تدابير لتعزيز التعاون طويل الأجل بين روسيا والدول الإسلامية، والتنفيذ العملي للشراكة الإستراتيجية بين روسيا الاتحادية وبين العالم الإسلامي، وذلك خدمة للمصالح المشتركة وتعزيزاً للعلاقات الإستراتيجية واهتماماً بالبشرية، واستعداداً للمستقبل وما يحمل من تحديات تتطلب العمل الجماعي لمواجهتها.
وشكر الدكتور الحجرف في ختام كلمته المملكة العربية السعودية على احتضانها أعمال الاجتماع اليوم متمنياً للجميع التوفيق والنجاح، مشيداً بجهود مجموعة الرؤية الإستراتيجية وجهود منظمة التعاون الإسلامي وجهود رابطة العالم الإسلامي في تعزيز مفاهيم السلام والتعايش وخدمة أهداف الاخوة الإنسانية.
كما أُلقيت كلمة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ألقاها نيابة عنه نائب الأمين العام الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزيد أوضح فيها أن اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية، ينعقد هذا العام تحت عنوان مهم «روسيا والعالم الإسلامي»، مثمناً الجهود في تعزيز التواصل والتقارب ضمن مبادرة رائدة تُجدد الالتزام الأخلاقي بالمحافظة على المكاسب الحضارية الإنسانية، وتُؤكّد حرص روسيا الاتحادية والعالم الإسلامي على تعزيز مفاهيم الشراكة والتعاون في بعدها الاستراتيجي؛ تأسيساً على العلاقات التاريخية المتينة والمصالح المترابطة، وصولاً إلى توافق في الرؤى يستشرف تكاملاً بنّاءً يعود بالخير على شعوبنا ودولنا.
وثمّن الرؤية الحضارية المميزة للقيادة الروسية في بناء المواطنة التي تعزز الوئام بين التنوع الديني والإثني، وتشرك الجميع على اختلاف انتماءاتهم وقومياتهم وأديانهم في هموم الوطن ومنجزاته وطموحه وآماله، وتحول التعدد بصورة إلى إثراء وتكامل وتنافس في تحقيق المصالح الوطنية العليا ضمن تشارك إيجابي حقيقي يعزز الوئام المجتمعي، وينعكس على الدور الدولي لروسيا ومكانتها العالمية.
وقال: أثبتت التجربة الروسية بتنوعها الإثني والعرقي والديني أن الأديان تُرشد إلى بناء تعارف إنساني مستدام مؤسَس على السلام والتسامح والتعايش الإيجابي؛ ذلك ما تتضمنه نصوص الأديان وتعاليمها، وقدر البشرية جمعاء أن تعيش وتتجاور على أرض واحدة، وأن يعترف أفرادها بالحق في الاختلاف والاختيار، ولاسيما في العقائد والأديان، ويؤكّد ذلك في الإسلام قول الله تعالى: «لا إكراه في الدين»، وبيان ذلك أنّ اختلاف الأديان لا يسقط به حق الآخرين في البر والإحسان والرحمة، ولا يحول دون التفاعل ومدّ جسور التعاون مع الجميع، بل إنّ المسلم برفيع هديه الديني مدعو إلى التسامح والتعايش وتعزيز العلاقات الإيجابية مع محيطه القريب في وطنه، ومحيطه البعيد المشمول بالناس جميعاً.
وأكد معاليه أن المملكة العربية السعودية تحتفظ منذ تأسيسها بعلاقات متوازنة منفتحة على جميع دول العالم، بل تسهم بدور ريادي من موقعها الديني في مهد الإسلام ومركزه الثقافي والحضاري؛ في تجسير العلاقات الدولية بين العالم الإسلامي ودول العالم المختلفة، على أسس راسخة من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ تحقيقاً للمصالح المشتركة والطموحات المستحقة للشعوب والمجتمعات، لافتاً إلى أن لقاء هذه الرؤية على أرض المملكة العربية السعودية يعني الكثير، فهي صاحبة السبق الروحي في عموم الوجدان الإسلامي، كونها مهد الإسلام ومصدر إشعاعه ومدرج وقائعه التي رسخت مبادئ السماحة والتسامح والرحمة والتعايش مع الجميع، ويلتقي على ثراها الطاهر كل عام ملايين الحجاج والمعتمرين والزوار من كافة أنحاء العالم ضمن لقاء حافل يعزز الألفة والمحبة والوحدة بينهم في رحاب قبلتهم الجامعة.
وأفاد بأن المملكة العربية السعودية رعت ضمن جهودها في تعزيز التواصل والتعاون والتعايش والوئام مؤتمرات عالمية جامعة؛ إدراكاً منها لأهمية النجاح في الحوار وإدارة التنوع والاختلاف، وتشرفت رابطة العالم الإسلامي بإقامة واحد من أهمها في جنبات الكعبة المشرفة، وهو (المؤتمر التاريخي للوحدة الإسلامية) تحت رعاية سامية منيفة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -يحفظه الله-، ودعم كريم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين - يحفظه الله -، وقدم المؤتمر رؤية متكاملة لتعزيز مفهوم الدولة الوطنية، والتحذير من مخاطر التصنيف والإقصاء على أمن المجتمعات ونماء الدول وانسجامها ووحدة ترابها الوطني.
وواصل: كما تشرفتُ وثلّة من أكابر العلماء المسلمين حول العالم بتقديم «وثيقة مكة المكرمة» التاريخية إلى مقام خادم الحرمين الشريفين، وهي الوثيقة الأهم في التاريخ الحديث؛ عبّر فيها العالم الإسلامي ممثلاً بنخبته المشاركة في مؤتمرها عن تطلّع العالم الإسلامي بدوله وشعوبه ومؤسساته الرسمية والشعبية إلى إعادة صياغة العلاقات العالمية على هدي من الشرائع الدينية السمحة، وصولاً إلى خير الإنسانية وسعادتها ونفعها؛ وعبَّرت الوثيقة عن أفق الإسلام الرفيع ونظرته المستنيرة للتنوع البشري، ودعوته للحوار والتواصل مع الآخر، مؤكّدة على وجوب احترام كرامة الإنسان وحفظ حقوقه وحرياته المشروعة، وطالبت بسنّ التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والعداء، لتكون وثيقة العصر للسلام والتضامن، وقاعدة التواصل بين معتنقي الأديان، وخارطة الطريق لمستقبل الإنسانية وتجانس مكوناتها بما يحقق نهضتها وازدهارها.
واستطرد : إننا في رابطة العالم الإسلامي - مظلة الشعوب الإسلامية - نعتز بهذا اللقاء المفعم بالأخوة والمحبة والحوار البناء، فهو تتويج للتواصل الحضاري بين روسيا الاتحادية والعالم الإسلامي، وحين التقينا بالمكون الإسلامي في روسيا الاتحادية عند زيارتنا لها، وسعدنا بلقاء إخواننا العمار والحجاج والزوار القادمين إلينا منها، سرّنا اعتزازهم الكبير بدولتهم الوطنية تحت القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس فلاديمير بوتين، التي جعلت الشعب الروسي متآلفاً على المحبة والاحترام والتعايش، يلتقون بوجدان صادق حول دستورهم وقيادتهم، وأسعدنا نموذجهم الحضاري الاستثنائي في الوئام المجتمعي والتسامح الديني والاندماج الإيجابي في إطار المواطنة الصالحة، وهذا ما تحرص عليه الرابطة في مبادراتها وبرامجها المختلفة حول العالم، حيث تؤكّد على رسم آفاق التعاون بين المكونات الإنسانية، وتقريب المشتركات التي تلتقي عليها الأديان السماوية، وتزكيها العقول الراشدة، وتقبلها الفطر السليمة.