د. محمد بن إبراهيم الملحم
مقالتي في الأسبوع الماضي حول المعلم الأب، مستشهدا بقصة أحد المعلمين الفضلاء الذي تجشم عناء مساعدة طالب الصف الأول الابتدائي في الحمام وأنقذه من حرج كبير بين طلاب المدرسة ومعلميها وغسل ثيابه وأوصله إلى بيت أهله مستورا دون أن يعلم أحد بما جرى له، وليحفظ عليه سمعته التي كان يمكن أن تتسبب فضيحته في نفوره من المدرسة أو على أقل تقدير كرهه لها وللدراسة حتى لو حضرها بجسده وغادرت منها روحه وعاطفته. ولينجح هذا الطالب في حياته ليغدو طبيبا في القلب، وبعد نشرها تحدث لي عدد من الفضلاء أن مثل هذه القصة متكررة في مدارسنا، ولا أعجب من ذلك فالمعلمون الآباء ليسوا قليلين في مجتمعنا الطيب المبارك الذي تملؤه أولا المعاني الإسلامية الراقية، وثانيا الروح الاجتماعية المعطاءة، وحب التعاون والعطاء والرعاية والاهتمام بين أفراد المجتمع، ويكرس ذلك مفاهيم النخوة والمروءة والكرم التي هي من سمات المجتمع العربي الأصيل الذي اختاره الله لرسالة الإسلام العظيمة حضنا لها.
ومن عجيب المصادفات أن أحد الإخوة الفضلاء قص لي حكاية مع مجموعة طلاب صحبهم من المنطقة الشرقية إلى مكة المكرمة لمشاركتهم في مسابقة القرآن الكريم الدولية منذ سنوات عدة وكان فيهم طلاب المرحلة الابتدائية، وليحدث نفس الموقف الذي حكيته في المقالة السابقة في حمام الفندق الذي سكن به الوفد، ويقوم الأستاذ الكريم بمثل ما قام به بطل قصتنا السابق، بل ومن العجيب أيضا أن هذا الطالب أصبح طبيب عيون ناجح. شكر جزيل للمربي القدير الأستاذ سعيد بن حامد العجرفي الغامدي بطل هذه القصة وشكر مكرر لكل المعلمين الآباء الأفذاذ في مملكتنا العزيزة، وكل المعلمات الأمهات الرائعات، فهؤلاء جميعا فخر للتعليم وللمجتمع، ولا يوفيهم الشكر حقهم، وأعلم أنهم لم يفعلوا ما فعلوه ليشكروا، بل ينتظرهم عند ربهم أجر عظيم لا أعلم كم قدره ومقداره، ولكن تأمل يا عزيزي القارئ كم تشعر أنت المخلوق الضعيف بالامتنان العظيم لكل واحد منهم ليؤكد لك ذلك أن شكر الله لهم سيكون أعظم بكثير مما تتصور.
بقيت همسة أخيرة مهمة في هذا السياق لكل معلم: عندما نطري المعلم لرحمته بطلابه ورفقه بهم فلا يعني ذلك الإفراط فتكون الرحمة سببا لترك الحزم وضبط السلوك، فالأب أيضا يقسو أحيانا على أبنائه ولكنه لا يلحق بهم الضرر الجسدي أو النفسي، وتكون قسوته في حكمة وموزونة بميزان الموقف، ولها أهدافها التربوية وليست ردة فعل انفعالية، ما أجمل المعلم الأب يحب لحنانه ويحترم لقوة كيانه، والمعلمة الأم تحب للطفها وتحترم لرزانتها. تحية كبيرة أيها الآباء والأمهات في مدارسنا.