د.خالد بن عبدالعزيز الشريدة
يخيم على الإنسان كمية من الحيرة حينما يريد أن يفهم الأثر المتبادل بين القيم التي نؤمن بها والواقع الذي نعيشه!!
وما الذي يدفعنا بشكل أكبر لنمارس ما نرغب؟
هل هو ما يفرضه علينا الواقع أو ما نريده نحن ليكون هو الواقع؟
استفهام كبير يحتاج إلى نفاذ في الأعماق حتى نصل إلى حقيقته.
وليس يخفى أن الأنفس تتراوح بين أمّارة ولوامة ومطمئنة لما تمارسه في واقعها.. ولما تتعاهده مع ذاتها في أسلوب حياتها!!
منا من تدفعه أهواؤه دون نظر لغايات دينه وقيمه.. ومنا من يصارع الأمرين في حياته فتارة يَغلب وتارة يُغلب!!
وثالث يقدم في مختلف شؤونه ما تطمئن إليه نفسه بأنه الحق والخير والرشاد. على أنه قد يسقط بفعل البشرية في خلل لكنه يرقع ذلك بالأوبة لتمحو الحوبة.
الذي أريد الوصول إليه بعد التأمل والملاحظة والدراسة على الواقع أن أصحاب العقول المتطلعة والمحفزة والراشدة ليس بالفكر فقط، بل بالفعل والتفاعل هم أكثر الناس قرباً لحمل وتحمّل القيم الراقية.
المعنى هنا هو أنه كلما كان لدى الشخص رقي في سلوكياته العملية، كلما تناغمت شخصيته مع المسلمات القيمية.
وعلى ذلك فحينما تتوافر شروط البيئة النظيفة المنضبطة مع الشخصية الراقية المتحفزة كان التمدن والإبداع والتجديد.
وحينما توجد البيئة دون الشخصية الراقية أو العكس فلن تتكامل الشروط لخلق مناخ ينهض بالواقع ويرتقي به. فيحصل الصراع، وبالتالي الخلل بقدر هذا التفاوت.
وعليه فليس من الدقة القول أعطوني رجالاً أعطكم إنتاجاً.. من غير تهيئة للظروف البيئية والبنيوية لنجاح هذه الشخصيات التقليدية سواء بالشخصية أو الظروف البيئية لا يمكن أن تحدث نقلة تنموية وحضارية بل تعزز الركود والجمود. وعليه تضر المعاني الدينية ولا تخدمها!!
وعليه فإن أهم شرط للنهوض الحضاري هو أن يكون الفكر الراقي هو حقيقتنا العملية في واقعنا.
ومن أجل أن يتحقق هذا الرقي فإن علينا كمسؤولين في مختلف مسؤولياتنا وإدارتنا ومؤسساتنا أن نهيئ ظروف واقعنا لذلك. ومن الصعوبة بمكان صناعة إنسان حسب شروطنا.. لكن الذي بيدنا أن نهيئ ظروفه وبيئته والمكان الذي يعمل به لتكون داعمة لقيمنا الراقية التي نؤمن بها.. وهي بدورها ستثير استعداده وتصقل مواهبه ليكون كذلك.
والتدهور الخطير حينما نهيئ في الواقع في أي مجال ما يتناقض مع هذا الطموح سواء في اللوائح أو الفعاليات أو الإعلام أو المناهج التعليمية.
أخلص من ذلك أن قيم الدين العظيم ترتقي وتنمو وتؤثر وتتأثر مع الشخصيات التي تحمل نفسيات تنجذب لهذه المعاني الراقية ولا تتجاهلها أو تتنكب لها لأي إغراء يفسد سموها.
إذاً فالشخصية الراقية هي الأقرب لجمال القيم الدينية.. وبالتالي لكمال وجمال الحياة الدنيوية.