حسن اليمني
القوة الصينية تتقدم على الروسية لتصبح القطب الثاني مع الولايات المتحدة الأمريكية، أكد ذلك ورسخه اللقاء الافتراضي أو الإلكتروني بين رئيسي البلدين الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات يوم السادس عشر من شهر نوفمبر الحالي اتسم بالصراحة المباشرة.
بكين تستخدم سياسة جني الثمار في معالجة قضية تايوان، إعادة تايوان للحضن الصيني عسكريًا لا تستغرق أكثر من سبع دقائق فقط وبالتالي يصبح استعادة تايوان برغم الدفاع الأمريكي مجرد نزهة بالنسبة لبكين والأمر إذن ليس في القدرة وإنما فيما بعد ذلك.
لازالت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك النفوذ على المستوى العالمي وهي وحلفاؤها الغربيون يزعمون أنهم حماة النظام الدولي وما يسمى بالشرعية الدولية ولانتشار العلاقات المفيدة مع دول كثيرة في هذا العالم فهي أي أمريكا قادرة على إيذاء بكين في المحافل الدبلوماسية سياسية واقتصادية وتقنية وتجارية ما يشكل عبئاً على بكين تجنبه يعتبر مكسباً ويعطي مساحة أطول في الركض في مضمار التقدم على أمريكا ذاتها.
كمسلم وعربي ما يهمني في هذا التنافس الأمريكي الصيني على سيادة العالم هو معرفة ما يمكن أن يؤثر علي كمواطن في دولة إسلامية عربية نامية أو بشكل أعم فرد من أمة إسلامية، لم نر عدلاً من الليبرالية الإمبريالية المتمثلة في أمريكا والغرب عامة لكن الشمولية الإلحادية الصينية لا ينتظر منها ذلك العدل المفقود أيضاً وبالتالي فلا أمل في عدل أو إنصاف من كليهما، والأمر كذلك فإن انتصار أو هزيمة طرف على طرف لا أرباح لنا فيهما لتساوي الموقف من كليهما.
وعلى مستوى الدول الإسلامية والعربية فالأمر يختلف، فهي فرصة عظيمة لممارسة السياسة وبناء الاستراتيجيات لتحقيق الغايات والأهداف، وإذا كان تجريب المجرب حماقة فإننا أمام فرصة تاريخية للتأثير والمشاركة مع قوة صاعدة تزمع في حكم العالم تسعى لطرد تلك القوة التي سادت وحكمت العالم والدول الإسلامية والعربية من ضمنه واليوم تتهيأ لها فرصة في قوة جديدة يمكن أن تكسب منها ومعها بعض العدل والإنصاف، يحدد مستواه قوة أو ضعف مدى قدرتها على انتهاز الفرص، وسلاحها في ذلك قوتها التاريخية والجغرافية.
إن كانت الصين صعدت لتزاحم أمريكا فإن روسيا لم تغب عن القوة والتأثير، بل تمددت في الأرض الإسلامية والعربية وصار وجودها العسكري أكبر من الوجود الأمريكي، هي موجودة في كازخستان وطاجكستان وعموم القوقاز وسوريا وليبيا وإيران، أي إنها في داخلنا تعبث وتتحرك وتتقدم بنفس درجة الأفول الأمريكي عن المنطقة، وبرغم ما يظهر من تقارب روسي صيني خاصة أمام التأثير الأمريكي والغربي عموماً إلا أن الاعتقاد باستمرار هذا التقارب أو التناغم بينهما ربما يكون خاطئاً إذ بطبيعة منطق القوة لا بد أن تخضع أحدهما للأخرى كما هو بين أمريكا وحلفائها في أوروبا، وتجاربنا كأمة إسلامية وعربية مع روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي لا تقل في فشلها وخيبتها مع تجاربنا مع أمريكا والغرب، لكن هذا وذاك لا يعني أن الصين مختلفة أو أنها أكثر عدلاً وإنصافًا.
الفرصة الحقيقية لنا كدول إسلامية وعربية هي في استغلال هذا التسخين والتزاحم على قمة العالم لنصنع قوتنا نحن، يكون ذلك باستغلال الفرصة للاستفادة من هذا التنافس للحصول على فرص التصنيع العسكري التقليدي والتقني وصب الجهد والاهتمام في هذا الاتجاه، وتحديد هذا الاتجاه بالذات (التصنيع لا الاستيراد) يأتي بحكم أن القوة هي أداة العدل والإنصاف الأولى، ونحن كأمة عربية وإسلامية منذ الحرب العالمية الأولى في وضعية المهزوم بلا عدل ولا إنصاف، إنها فرصة لا تتكرر إلا على مدى قرون وبتغير سيد العالم تتغير أولوياته وباستمرارنا على منوال التركيز على التنمية المدنية برغم هذه الفرصة ستجعلنا نكتشف فيما بعد أن كل جهودنا التنموية التي نبنيها بناء على معطيات الحاضر ستصبح في القريب العاجل إضاعة للوقت وهدراً للقدرات لا قيمة له.