عطية محمد عطية عقيلان
كان هناك تجمع للطيور وهي تتباهى وتختال بطريقة مشيها ووقوفها على رجل واحدة وأعجب الغراب برشاقة العصفور في مشتيه، فحاول أن يقلده فسقط واختل توازنه لكبر حجمه، وكان محظ سخرية وضحك عليه، ولم يستطع العودة لمشيته القديمة، فضرب به المثل «غراب البين مضيع المشيتين»، وهذا ينطبق كثيرا على الواقع الذى نراه في التسابق المحموم بين المشاهير والعوام على إجراء عمليات التجميل وبين مختلف الفئات العمرية، والبحث بهوس عن الكمال والحصول على شكل وجسم مثالي، دون اعتبار لاختلاف البشر عن بعضهم البعض وعدم جدوى تقليد البعض، كما حدث مع غراب البين، بل أصبحت تلاقي عمليات التجميل رواج للحيوانات، من حقنها بالفلير والبوتكس وزراعة وتقويم الأسنان، ففي كوريا الجنوبية تشمل هذه العمليات للكلاب تقصير الذيل وكشط الأذن وإزالة التجاعيد ورفع الجفون وشد البطن، كما شهدت في منطقتنا تجميل الإبل وحقنها بالبوتكس لتبدو بجمال مثالي، كذلك الخيول لتبدو أكثر كمالا، ورغم تحذيرات الأطباء البيطرين على ضررها على الحيوان وصعوبة التنفس وقد تسبب ضررًا على صحة الحيوان، وقد كانت تجري لأسباب صحية ومن ثم اضيف لها أسباب جمالية.
وفي حوار افتراضي خيالي بين أنثى الحمار «الأتان» وطبيب تجميل بيطري، ورغبتها في أن تحول شكلها إلى فرس دون أن يفتضح أو ينكشف أمرها، وحذرها الطبيب أن هذه العمليات مكلفة جدا وغير مضمونة العواقب ولها آثار صحية جانبية، وتحتاج إلى وقت وتدريب وستعاني بعدها، لكنها أصرت وبعناد وأخبرته أنه لن يثنيها عن قرارها أي اثار أو تكاليف أو تحذيرات وستتحمل كافة العواقب، فحدد الطبيب الخطة التجميلية لها، والتي تشمل تقصير الأذنين، وتطويل الذيل وإضافة شعر عليه، وتجميل الحوافر، وتقويس الظهر لوضع السرج عليه، وإضافة لون على وجهها، وبعد شهور ومراحل، ظهر «الأتان» وكأنه نسخة من الفرس مع فرق بسيط في الحجم، وكانت النتيجة مرضية وسط سعادة الحمار على شكلها الجميل، إلا أن المعاناة الصحية والأرق والألم والتورم الذي أصابها بعد العملية نغص عليهم حياتهم الهانئة سابقا، رغم جمال الشكل الخارجي، وأصبحت حياتهم تعيسه وزبونة دائمة لدى الطبيب البيطري لصرف المهدئات وعلاج التنفخات، واقتنعت «الأتان» أنها فرس وبدت تتقرب إلى عالم الخيول، وسط ريبة وشك منهم في تصرفاتها، وعاشت قصة حب مع خيل، وبدت الانخراط في عالم الخيول كفرس، ناسية أنها من عالم الحمير، فغترت بشكلها، وفي يوم ممطر بدأت الصواعق تضرب الحقل لتبدأ الخيول بالصهيل والركض، إلا أنها ظهرت على حقيقتها وبدأت في النهيق، وسط ذهول الخيول وصدمتهم أنها تؤدي دور فرس، ليتم نبذها وطردها من قطيعهم، وعادت إلى قطيع الحمير ولكنها لم تستطع أن تتأقلم وأصيبت بانتكاسة نفسية أثرت على صحتها، وانتهى بها المطاف لا هي فرس ولا هي أتان، وأصبح ينطبق عليها مثل «غراب البين مضيع المشيتين».
لذا أنصح نفسي والقارئ الكريم عند الرغبة في إجراء عملية تجميل راجع حساباتك جيدا قبل أن تندم على تضييع مشيتك كالغراب، فالله خلقنا وأحسن خلقتنا، وسط تأثير العمل والعمر عليها، وأن لكل مرحلة هيئة وشكل يتناسب ويتسق معها، وهذا لا يمنع الاهتمام بهيئتنا والاستفادة من التطور التكنولوجي والطبي والدوائي في الحفاظ عليها وأن نبدو أكثر جمالا وخلقه وأصغر سنا، ولكن بدون مبالغة خاصة في التأثر بالمشاهير والفنانين، لأن الفلاتر والمكياج والإضاءة والملابس تضفي عليهم جمالاً باهرًا، وقد نصطدم عند مصادفتهم في الواقع بلا هذه المؤثرات، أما بعدم التعرف عليهم أو اختلافهم عما نراه على التلفزيون، فلا يوجد شكل مثالي دائم مهما بذل من جهد ومال، لأن طبيب التجميل ليس ساحرًا يستطيع أن يعدل شكلك ونفسيتك، ولنعتبر من الكثير من النجوم الذين قاموا بعمليات تجميل وتحولوا إلى دمى بلاستيكية منفوخة ومنزوعة التعابير، فلنهتم بالمحافظة على جمالنا دون هوس، ولن نستطيع محي علامات التقدم في العمر، ولكننا نملك الحفاظ عليها بالكريمات والأكل الصحي والرياضة والنوم، بديلاً عن التغيرات الطبيعية لشكلك والتعايش مع سنك راضيًا ومقتنعًا.