د. محمد عبدالله الخازم
هناك منظمات اعتراف واعتماد وتصنيف أجنبية، تعرف بقوتها وسمعتها ومصداقيتها داخل بلدانها مما يغري بالحصول على اعتمادها أو اعترافها أو تصنيفها، مثل الأمريكية والكندية وغيرهما. جزء من قوتها يكمن في عملها وفق برامج حوكمة ومسؤولية ومحاسبية عالية، كما أن مجالس إدارتها تتشكل وفق معايير شفافة يراقبها أعضاؤها.
لأسباب مادية ولتحقيق طلبات الجهات الخارجية تتجه تلك الجهات إلى تقديم خدماتها خارج دولها، لكنه لا يمكن فعل ذلك بنفس المعيارية والدقة التي تقدمها داخل بلدانها. وللخروج من مأزق مخالفة أنظمتها وقيمها ومعايير الحوكمة والإفصاح التي تحكمها، تلجأ إلى تأسيس فروع أو تصنيفات تسميها دولية أو عالمية، موجهة للخارج بالذات دول العالم الثالث.
الإشكاليات هنا؛ (1) عدم استخدام نفس المعايير والقياسات التي تستخدمها داخل دولها، (2) الفروع الدولية لا تخضع لنفس الصرامة في موضوع الحوكمة والمحاسبية والمسؤولية الأخلاقية وربما القانونية. (3) الإيحاء - عمداً أو ضمناً- للمستفيدين ومجتمعاتهم بأنها تلك المنظمات أو منتجاتها القوية هي التي نعرفها في بلدانها، كندا أو أمريكا أو غيرهما.
مثال أول؛ قرأنا عن تصنيف جامعة محلية ضمن أفضل الجامعات في تصنيف (اليو اس نيوز) فكان ذلك مثار تساؤل. عندما تزور موقع تصينف اليو اس نيوز تدهشك قوة المعايير ودقتها، فتزداد حيرة هل فعلاً طبقت هذه المعايير على جامعاتنا؟ كلمة السر التي يتم تجاهلها هي (Global ranking) وتعني التصنيف الدولي وتحديداً تشير إلى أن (اليو اس) لديها نظام تصنيفي للجامعات خارج أمريكا يختلف عن التصنيف داخلها وفق آليات حوكمة وجمع بيانات مختلفة ..إلخ.
مثال ثان؛ تكرر بعض مستشفياتنا بأنه معترف بها أو معتمدة من هيئة اعتماد المستشفيات الأمريكية، وهي هيئة قوية يتجاوز عمرها 70 عاماً، لكن الحقيقة أن الاعتراف يتم عن طريق الفرع العالمي للهيئة -International - وهو يستخدم معايير وفلسفة تختلف عما يستخدم داخل أمريكا بتركيزه على توافر المعايير وليس قياس جودة المخرجات، مثلا. وفي القطاعات الأخرى أمثلة مشابهة.
إذاً، الملاحظات تتلخص في التوجهات التجارية و ضعف الحوكمة للفروع والخدمات الدولية بما فيها التي تقدم في بلدنا، حيث لا تدقق مجالس إدارات تلك الجهات على تفاصيل عملها خارج بلدانها طالما هي تجلب أموالاً كافية. كما يلاحظ اعتماد تلك المنظمات على التقييم أو المعلومات الذاتية التي تقدمها المؤسسات المستفيدة دون تدقيق في مصداقيتها، إلخ. إضافة إلى ذلك يتمادى بعضها بوعود - وفق ما يطلبه الزبون- حول خدمات تتجاوز صلاحياتها، كوعد قبول المتدربين من هيئة اعتماد، رغم أن القبول صلاحية الجامعات وليس جهات الاعتماد.
تبرر تلك المنظمات ما تقوم به خارج دولها الأم من تجاوزات أو تغييرات على عملها الأصلي في بلدانها بصعوبة تطبيق معايير دقيقة في مختلف الدول لاختلاف الثقافات والأنظمة. لست أناقش المبررات ولا أقدم الاعتراض المطلق على التصنيفات والاعتمادات والاعترافات بقدر ما أطالب بفهم التفاصيل لعمل تلك المنظمات ومصداقية معاييرها وعدم منحها أكثر مما تستحقه من تقدير، ضمن سياق معاييرها ومتطلباتها. علينا الحذر من عدم استغفال الآخر لنا وجني أموال غير مستحقة، لمجرد إدراكه (بهوسنا) بقضية التصنيف والاعتماد والاعتراف الخارجي..