عطية محمد عطية عقيلان
تطلق عبارة «مغالطة قناص تكساس» على الشخص الذي يستخدم البيانات والأدلة التي تخدم قضيته، ويختار المعطيات الواقعية التي تؤكد مصداقيته، مع تجاهل وتجنيب ما يشكك في صحتها، وتعود سبب هذه التسمية إلى قناص في تكساس كان يطلق النار على جدار مزرعته، ومن ثم يختار المنطقة التي أصابها أكثر عدد من الطلقات ليرسم عليها دائرة كهدف كان يصوب عليه، ليدعي أنه قناص ماهر، ويصيب الهدف بدقة عالية، وحسب المعطيات الواقعية التي أمامهم، يؤمنوا بأنه بالفعل قناص ماهر، وهو فقط غير مؤثر ورسم دائرة في المكان الذي يخدم ويعزز ما يريد أن يقنع الآخرين به. ونحن نمارس بوعي أو بدون وعي مثل هذه المغالطة، وهذا يجعلنا أن ندقق في كل ما يصلنا من معلومات ووثائق وصور وأفلام وقصص وحكايات ونتذكر أن الحقيقة المعروضة هي جزء مما يراد لنا تصديقه والإيمان به، فالبرامج والأفلام الوثائقية، وتحليل البيانات الضخمة تعرض فقط ما يؤكد وجهة نظرهم وإغفال ما يدحضها، ونتذكر ما حدث في أكبر تسريبات لمعلومات سرية قام بها جوليان أسانج «وثائق ويكليكس» عام 2010م، بلغت أكثر من 700 ألف وثيقة عسكرية ومراسلات دبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية، واستخدمت هذه الوثائق بتطبيق «مغالطة قناص تكساس» من خلال عرض المعلومات والبيانات لاتهام شخص أو بلد وكأنها حقائق دامغة وتجاهل أي مراسلات أخرى لا تدعم الرواية المراد إثباتها. وما حدث مع انتشار فيروس كورونا، كوفيد 19، والاتهامات المتبادلة بين الصين وأمريكا بالتسبب بانتشاره وحتى هذه اللحظة كل طرف يقدم أدلة على تورط الآخر مستخدمين «مغالطة قناص تكساس» وتقديم المعلومات التي تؤكد موقفهم، وأيضا ما مر به علاج ولقاح كورونا من التعرض للمؤامرة والتشكيك.
وأكثر ما تستخدم هذه المغالطات في مجال الدول عند نجاحها وتحقيق رؤيتها، فيبدأ المشككون، بعرض المعلومات والحقائق المجتزأة التي تخدم قضيتهم وتؤكد وجهة نظرهم، وهذا يحتاج منا إلى التنبه أمام محاولة بث الاحباط واليأس، وعلينا أن نستخدم معهم نفس السلاح بالتركيز على الأرقام الإيجابية والتغيرات وتطور الخدمات والتحول الرقمي في البلاد، والفخر بأنها أصبحت على خارطة العالم السياحية، فلم تكن تعرف المملكة إلا بالسياحة الدينية لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكنها أصبحت في تنوع للجذب السياحي على كل الصعدة ، بدءا من تأشيرات وإجراءات الدخول وتنوع الخيارات، كما حدث في معرض الرياض الدولي للكتاب 2021 وموسم الرياض 2021، والبيئة الجاذبة اقتصاديا مثل استقطاب 44 شركة عالمية لوضع مقراتها الإقليمية في المملكة، إيمانا منها بعدة جوانب: اقتصادية وأمنية ولوجستية وتوفر بنية تحتية وقوانين وأنظمة تطور وتكنولوجيا ورقمنة تسهم في نجاحهم لتقديم خدماتهم في المنطقة، وشهدنا تطبيق الإقامة المميزة وتجنيس المميزين ومبادرات ومشاريع ومئات التنظيمات والقوانين المحفزة لحاضر مشرق ومستقبل واعد، وهي طموح لا محدود يتحقق على أرض الواقع بعيدًا عمن يرسمون دائرة كصاحبنا قناص تكساس على الأخطاء وتضخيمها، ويستطيع كل فرد أن يقوم بدوره في ظل وسائل التواصل الاجتماعي وتسليط الضوء على ما يؤكد التحول والتطور الذي تشهده البلاد ورؤية 2030 التي أصبحت واقعا يتحقق بعيدًا عن البحث عن السلبيات الشاذة، ولنتذكر أن هناك مقولة مشهورة مع كل منتقد ومفتش بالمجهر عن العيوب «أنا أشير إلى القمر وهو ينظر إلى أصبعي».
ولنأخذ العبرة من قصة مغالطة «قناص تكساس» عند متابعة الإعلام العربي والدولي ومختلف منصات التواصل الاجتماعي، وأنهم يستخدمونها وينشرون مقاطع مجتزأة لتثبت وجهة نظرهم أو اتهامهم، والتركيز على ما يعزز ذلك وإخفاء كل ما يضعف روايتهم ويثبت زيفها، ونلاحظ ذلك أيضا في أنفسنا وقصصنا مع الآخرين لأننا نستخدم «مغالطة قناص تكساس» بالتركيز على ما يدعم مثاليتنا ومصداقيتنا وتضحيتنا وأمانتنا، في كثير من الأحيان، لذا يقال لا تصدق كل ما ترى ولا نصف كل ما تسمع، وكن خط دفاع أولي عن كل ما يمس بلدك ودينك أو يسئ لهما، ودقق في كل ما يصلك وضعه في دائرة التمحيص ولا تغتر بالصور والأحداث وتذكر ما فعله قناص تكساس ليقنع أصدقاءه بأنه قناص ماهر.