علي الخزيم
كلمات لافتة للنظر والانتباه، وداعية للتأمل والتَّفكّر، لا سيما أن مُطْلِقها مسؤول يشار إليه بالبنان نظراً لموقعه وتسلسل إنجازاته ونجاحاته بمجال عمله، فالقائل الدكتور عبد العزيز الراجحي الرئيس التنفيذي لمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض، والمقصود هنا قَرنية العين؛ فمن موقع المسؤولية ومن خبرات تراكمية بهذا المجال الحيوي الذي يَمس حاجة كل منا، يُطلِق د. الراجحي عبر منصة الصرح الطبي الدولي العملاق الذي يشرف عليه ويديره جُمَلاً وعبارات تلتفت لها الأعناق انتباهاً وتعمُّقاً بمعانيها ومدلولاتها، فهو يدعو للتبرع بقرنيات العين بعد الوفاة، فحين تسمع متخصصاً بارعاً بطب العيون يُناشدك: (لماذا تدفنها معك)؟! فاعلم أنه ينطلق من مبدأ إنساني خيري يريد به وجه الله سبحانه؛ له ولكل مُتبرع بقَرَنيَّته بعد وفاته، وأنه يؤكد أن (تبرعك بقرنية عينك نور لغيرك) لتزرع الأمل للمحتاجين لها ليبصروا النور، وأن قرنية عينك ستعيد لإنسان ما نور الحياة، وسيبقى لك - بفضل الله - العمل الصالح بنيَّة التبرع بها للمحتاجين؛ فهي أعمال خير وبر يَجِده الإنسان المُتبرع بعد الوفاة أمامه ليرفع درجاته بموازين أعماله الصالحة، فالتبرع بقرنية العين لدى الجهة المختصة والإقرار به لما بعد الوفاة عمل إنساني نبيل.
والقرنية هي الجزء الشفاف الأمامي من مقدمة العين الذي تمر من خلاله الأشعة الضوئية لتصل إلى العدسة لتقوم بدورها بتسليط الأشعة وتركيزها على الشبكية فتتحول هذه الإشارات إلى صور مرئية، فالقرنية - كما يؤكد أهل الاختصاص - الجزء الوحيد من العين الذي يُمكن نقله من عين إنسان متوفى وزراعته بعين شخص آخر لتحسين نظره، وكل إنسان يستطيع التبرع بقرنيته إن كانت بصحة جيدة، ومما يجب التنويه عنه أنه لا يحدث عند استئصال القرنية أي تشويه بوجه المُتبرع المتوفى؛ فالجزء المُستأصل يُمثِّل شريحة دائرية لا تتجاوز ثمانية ملليمترات وسُمكها نصف ملليمتر، ولأنها شفافة فإن إزالتها لن تؤثر على شكل عين المتبرع، وتُعد عملية زراعة القرنية من أنجح عمليات زراعة الأعضاء ونسبة نجاحها عالية جداً، وقد عُرف عن مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون وعلى المستوى العالمي أنه من أنجح المراكز الطبية المتخصصة بهذا المجال؛ وقد ثبت بإحصائيات عالمية أنه قد زرع مئات القرنيات خلال أيام معدودة، وكلما توفرت القرنيات سواء بالتبرع أو بجلبها من الخارج كانت العمليات أكثر وخدمة المرضى أعم وأشمل، وهذا يعود أيضاً لمستوى الوعي لدى المواطن والمقيم بأهمية التبرع بالأعضاء المفيدة للغير عند الوفاة، ويؤيد هذا فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة بهذا الشأن، ويقول عضو هيئة كبار العلماء المستشار بالديوان الملكي الشيخ الدكتور عبدالله المطلق بإحدى محاضراته: (إن هذا أحد مناحي الحياة كونه من الصدقة الجارية، وعلى مُريدي الخير ومُحبي النفع بأن يكون لهم نصيب عظيم من هذا الأجر).
ويزيد الإعجاب بالمسؤول العالم الموسوعي بمجاله؛ كلما كان مُطَّلعاً على جوانب أخرى من مصادر الثقافة، فهذا الدكتور الراجحي يَتَمَثَّل من خلال تغريداته و(فضفضاته الطبِّية) اللطيفة بالمناسب من أقوال حكماء وفلاسفة العرب والمسلمين، فيجعلها أكثر قبولاً وتأثيراً وانتشاراً، فأنعم به وأكرم.