د.فوزية أبو خالد
في لقاء عبر زووم في ذروة الجائحة مع الشاعر الناجي من مذبح السياسة ومن بلاط الصحافة قاسم حداد كما وصفه ناقد شاب على ما أذكر أو ربما الناجي من سلطات أباطرة الشعر وصعاليكه ودخلائه قال الشاعر أنت لا تكتب لإنقاذ الكون ولكن تكتب لتكون كاتبًا جيدًا. وعلى ما أفهم هذا الكلام فأنت لست ملزما ولا تستطيع وإن أردت أن تكون كاتبا جيدا وعلى الأخص فيما لو كنت شاعرًا بالتخلي كليا ولا حتى جزئيا عن شغف الكلمات ومسؤوليتك تجاهها لتتفرغ كليا أو جزئيا لوهم التصدي للمسؤوليات والمقولات والخيبات والانكسارات الكبرى. فتلك المسائل الكبرى وإن حملتها بقلبك وفكرك فإنك لا تملك أسلحة مواجهتها إن لم تجيد فنون سلاحك الوحيد وهو القلم أو لوحة المفاتيح.
وفي نفس ذلك اللقاء على أجنحة العالم الافتراضي قال الشاعر البحريني قاسم حداد كلمة أخرى شدتني من يدي لرمانة كتفي وهي أنه حين يكتب في الصحافة فهو يكتب بشرط الشعر لا بشرط الصحافة. وهذه الكلمة بالذات لامست في نفسي جرحا أظن أن الكثيرين غيري من المتشظين بين عالمين أو أكثر من ملكوت الكتابة يعانون منه. والسؤال في هذه الحالة من بين كثير من أسئلة السياق هي كيف نحافظ على ماء الكتابة فيما نكتب أي كان نوع الكتابة أو شكلها كيف نحافظ على ليونة أصابعنا وقسوتها في الوقت نفسه، كيف نمسك بذلك الخيط الرهيف بين أشكال الكتابة والأهم كيف لا نقمع المبدع داخل الكاتب لصالح حسابات الصحافة أو شروطها التي قد لا تكون متسامحة في حق الطيش الإبداعي.
***
تخطر على بالي مثل هذه الهواجس والأسئلة دائما لحظة الكتابة إلا أنني أعاني منها بحدة تصيبني بالدوار وبداء التردد عندما أقرر التفكير خارج المساحة المعطاة لمقالي الأسبوعي على وزن خارج الصندوق فأسمح لنفسي باستراحة المحارب أو بحرية الشاعر لأسرب خلسة عن التزامي المعتاد بعض القصائد إلى عيون القراء عبر المعبر الخطأ أي موقعي على صفحة الرأي بجريدة الجزيرة وإن كنتُ لم أفعل ذلك على مدى 25 عامًا من التزامي معهما أي صفحة الرأي والجريدة إلا مرتين وهذه المرة ستكون الثالثة.
***
قصيدة الألم
أيها الألم صباح الخير
هلا تركتني لضوء النهار قليلا
علني أتجرع مباهج البارحة وحدي
أمضينا ليلا ممضا
لم تترك أغنية غجرية لم تعزفها لي
لم أترك نجمة لم أجيء ببريقها لك
لم تترك سماء لم تُصعد روحي لها
لم أترك حديدا في سريري لم تذبه حرارتنا
لم تترك أرضا لم تدكها تحت قدمي
لم أترك في سهادي زيتا لم أسرجه لك
لم تترك حلكة ولا عتمة ولا ظلاما لم تأويني إليه
أيها الألم
لم أترك سجا ولا هزيعا ولا سحرا لم ابتهل منك
لم تترك دمعة ولا تنهيدة ولا خبية لم تنبشها
لم أترك سموا ولا صبرا ولا احتسابا لم أتحزم لك به
لم تترك نصلا ولا سهما ولا شوكة ولا سواها
من الجروح والأوسمة لم توشح صدري بها وتغرسها في لحمي وعظمي
لم أترك دعاء ولا أملا ولا ريشة لم أحيك لك به حيلا وأجنحة
أيها الألم
صهرت فكري
صقلت وجداني
جددت حبري
أيها الألم
زدت عيوني بريقا وشعري طولا ووجهي جمالا
زدت عمري شبابا
زدت طلتي بهاء
زدتني رهافة ومهابة
أيها الألم
أتوجك مليكا وملاكا وملهما
وأرجوك أرجوك أرجوك
لنترك مسافة
أتحرر منك
وتستعيد حريتك مني
***
أن تحيا لوحدك
أن تصحو وحدك
تنظر لفراغ السرير تتفرس في فراغ الغرفة الضيقة تغذ البصر في فراغ الكون إلا منك وحدك
إحساس مريع بالسكون كأنك في صحراء حليقة لا متناهية
أن تصحو وحدك
تتحسس جسدك قطعة قطعة ولا تجد قطعة في محلها فتجمعها شظية شظية لتستطيع الجلوس متقرفصا على حافة السرير أو تمشي وحيدا على حافة الحياة
أن تلقي تحية الصباح على نفسك لتكسر قسوة الصمت أو لتتأكد أنك لم تفقد صوتك من قلة الكلام
أن تتفرس في ملامحك كأنك تراك لأول مرة
تسأل الغريب من هذا الغريب في المرآة
أن ترغم نفسك على الإغتسال هربا من رائحة الوحدة التي تخر من مسامك بلا رحمة
أن تلبس ملابسك وتتطيب تمردا على الوحدة مرة ومرة احتفاء بجحافلها المطبقة بزعانفها على رئتيك
أن تصنع قهوة تتضوع برائحة الوحدة الفواح
وتأكل خبزا مغموسا بطعم الوحدة الحراق
أن تفتح جهاز الهاتف فتطل الوحدة بمحياها الجارح وتعيدك لأحضانها الموحشة