أحمد المغلوث
على مر الأيام والشهور والسنين نكتشف أن هناك روائح باتت ملتصقة بنا بل باتت لها علاقة حميمة معنا ويوماً بعد يوم تصبح جزءاً من حياتنا بل إننا نسعى دائماً للمحافظة عليها بل نحاول أن تكون رفيقتنا في سفرنا كيف يحدث هذا. ربما البعض منا يتساءل الآن وهو يقرأ هذه السطور ما هذه الروائح الخالدة التي لا تنسى التي من أجلها كتب عنها الكاتب هذه الزاوية. والحق إن من حق كل من يقرأ العنوان أن يطرح هذا التساؤل المشروع والمقبول.. وببساطة تبدأ علاقتنا بأنواع مختلفة من «الروائح» منذ الصغر.. فالطفل وبتلقائية يرتبط بعلاقة قوية برائحة والدته بعطرها مهما كانت نوعية هذا العطر أكان عطراً ممتازاً أو عادياً. عطراً من دهون شهيرة وتقليدية توارثها الآباء عن الأجداد أو تم استخلاصها من زيوت ونباتات عطرية معروفة أم عطراً اعتمد على ما تجود به الطبيعة أو بساتين النخيل حسب البيئة. فهناك عطور تم إنتاجها من الورد والريحان والنعناع والميراميه. ومن هنا نجد أن عطوراً تم استخلاصها ومن ثم إنتاجها من طبيعة بعض الدول. حيث تتوفر نباتات لا تتوفر إلا في مناطق دون غيرها.. بل هناك زيوت عطرية تستخلص من نوعيات معينة من النباتات أو الزهور التي توجد في قمم الجبال أو سهول الأودية. وقلما تجدها في مكان آخر.. ومن هنا اشتهرت على مر التاريخ دول بإنتاج العطور والروائح دون غيرها. وحتى على المستوى المحلي نجد أن بلادنا اشتهرت بتصنيع دهن الورد وعطره في الطائف والأحساء والمدينة نظراً لتوفر الورد الطبيعي.. وتعودنا على رائحة عطر ما يجعلنا أسرى له وبالتالي يحتل مساحة ومكانة في ذاكرتنا. وهكذا نجد أن رائحة الكليجا أو الملتوت أو الخبز الحساوي أو القرصان أو حتى مرهم «الفيكس» أو رائحة عطر البلابل أو اللافندر أو دهن العود الأصلي.. أو حتى رائحة «البنج» أو أقراص الدواء النفاذة هي روائح تسكننا بدرجة أن بعضها بات جزءاً من حياتنا. وحتى شخصيتنا.. والذي يفحص دمه لقياس السكر بات على علاقة دائمة مع رائحة الدم والمطهر وكثيرون ما زالت تشدهم روائح الأسواق الشعبية التي لا يمكن أن تنسى. بل إن بعضهم يشد الرحال إلى مدن عاش فيها فترة من حياته خلال دراسته. فتجده يحن لزيارتها بل ومن ضمن برامج هذه الزيارة أن يذهب إلى تلك الأسواق التي كان يتردد عليها وقبل سنوات التقيت في سوق الكتب القديمة بالقاهرة «سور الأزبكية» بشقيق كويتي كان يتبضع بعض الكتب. عندما سألني هل تترددائماً على هذا السوق فأجبته هذه أول مرة أزور فيها مصر وهذا المكان عندها قال باسماً.. كنت أدرس هنا منذ عقد من الزمن وكل عام أخطف بضعة أيام من إجازتي لزيارة أماكن في القاهرة ومنها هذا المكان الذي أحبه ولرائحته تأثير كبير علي ربما اكتسبتها خلال سنوات دراستي وتعدد زيارتي له.. ونفس الشيء أشعر به عندما أزور الأزبكية أو حتى خان الخليلي.. وسرنا معاً محملين بالكتب التي اشتريناها وروائح السوق وكتبه تكاد تلتصق بملابسنا وأنفينا.. وقبل أن أودعه قلت له أدعوك لزيارة سوق القيصرية في الأحساء فرائحته تكاد تكون خالدة ولا تنسى أيضاً. أليس كذلك.