د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
خرج بيان مؤتمر جلاسكو في 13 نوفمبر 2021 بصيغة ترضي جميع الأطراف، بعدما أقر المؤتمر اتفاقا معدلا أدخل في اللحظة الأخيرة على نص الاتفاق يتعلق بالفحم، اعترضت الهند على البيان الختامي (لكن بقيادة الولايات المتحدة والصين محاولة إيجاد صيغة مناسبة ترضي الجميع) أغضب ممن كانوا يريدون بيانا أكثر تحديدا بشأن إنهاء دعم الوقود الأحفوري، رغم أن المؤتمر توصل إلى اتفاق عالمي يهدف على الأقل إلى الإبقاء على ظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى 1.5 درجة مئوية.
انتهى هذا الاتفاق العالمي في الحفاظ على فرصة واقعية لإنقاذ العالم من الآثار الكارثية لتغير المناخ، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش علق على بيان المؤتمر من أنه انتهى بخطوات إلى الأمام مرحب بها، ولكن ذلك ليس كافيا، كذلك انزعج رئيس المؤتمر ألوك شارما من التغييرات الأخيرة التي أدخلت في اللحظة الأخيرة تتعلق بالفحم، قائلا إنه يأسف بشدة لما انتهى إليه المشاركون، وخاطب أصحاب الدعوات التي تطالب بإنهاء دعم الوقود الأحفوري، وبشكل خاص مسؤول سياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي فرانس تيمرمانس من أنه يتفهم خيبة الأمل الشديدة، لكن كان من الضروري حماية هذا التجمع.
كان هناك اتفاق أمريكي صيني واضح في المؤتمر، رغم الصراع العسكري بين الجانبين في جنوب بحر الصين، إلا أنهما قادا المؤتمر في الساعات الأخيرة لإيجاد صيغة مناسبة ترضي جميع الأطراف عقب أسبوعين من المفاوضات الشاقة حول عدد كبير من القضايا المهمة، وعلى رأسها محاولة إبقاء الهدف الأكثر طموحا لاتفاقية باريس للمناخ، أي الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
لم يتمكن المؤتمر من التوصل إلى آلية محددة للتعويض عن الخسائر والأضرار التي عانت منها الدول الأكثر فقرا والتي قررت الغنية تقديم معونات للدول النامية 100 مليار دولار اعتبارا من 2020 وعدت بها منذ عام 2009، لكنها لم تف بوعودها، بل هناك خلاف حول تلك المبالغ المخصصة لمساعدة الدول الأكثر فقرا على خفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون، والاستعداد لمواجهة العواصف وموجات الحر والجفاف التي تتضاعف، فهي دول الأقل نسبيا بالتغيرات المناخية، لكنها الأكثر معاناة من تأثيرها، وهناك معارضة من قبل الدول الغنية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي) لإنشاء آلية محددة لتؤخذ في الاعتبار الخسائر والأضرار التي تتعرض لها الدول النامية.
ما جعل دول الجنوب تتهم دول الشمال أنها تجبره على بذل المزيد من الجهد لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مع أنه غير مسؤول عن تغير المناخ، دون الوفاء والاعتراف بمسؤولية الشمال عن التسبب في هذه الأزمة.
كانت السعودية الأكثر سرعة في وضع خطط لموجهة المناخ وحماية البيئة بلغت قيمتها 700 مليار ريال، بل جعلت المشروع إقليمي عالمي، وطالبت السعودية الاعتراف بتنوع الحلول المناخية، وأن أمن الطاقة هو الركيزة الأساسية، وسيكون النفط في أي تموضع للطاقة الركيزة الأساسية، ولا يمكن أن نعالج إشكالية المناخ على حساب تقويض أمن الطاقة، أو الإخلال بأولويات الدول (يمكن تسميتها بدبلوماسية الطاقة).
فكانت مخرجات مؤتمر جلاسكو تتوافق مع ما تدعو إليه السعودية مع مراعاة أولويات الدول دون أي إخلال حتى لا ينعكس على أمن الطاقة، ولا يمكن تصوير المسألة أنها منافسة بين النفط مقابل إهمال المناخ التي تحولت إلى شعارات سياسية تشبه شعارات ملف حقوق الإنسان، حتى ان نقص الاستثمارات في مشاريع المنبع باتت التحدي الأكبر أمام منتجين كبل قدرتهم على زيادة الإنتاج مثل أنجولا ونيجيريا وماليزيا، وهي دول لم تتمكن من إنتاج ما يصل إلى حصصهم السوقية، بسبب تقادم الحقول، ونقص الاستثمارات، بسبب الدعوات إلى وقف توجيه الاستثمارات إلى الوقود الأحفوري وتوجيهها نحو الطاقة المتجددة.
مخرجات بيان جلاسكو تؤكد انتصار استراتيجية أوبك بلس بقيادة السعودية، وحسب بلومبيرغ بعد 18 شهرا من خفض الإنتاج بسبب ظروف جائحة كورونا، وهي الآن تتجه نحو رفع الإنتاج بشكل تدريجي للوصول إلى نقطة التعادل ونفس المستوى قبل الجائحة.
وكانت أزمة الغاز في أوروبا والكهرباء في الصين جعلت العالم يبحث عن دفء الطاقة دون الاكتراث بحرارة الشعارات الوردية التي ترفعها أوروبا وجماعة الخضر، حيث ترى أوبك أن يتم التركيز على خفض الانبعاثات أكثر من التخلص التدريجي من الفحم والنفط والغاز، باعتبار أن احتياجات المستهلكين المتزايدة تشير إلى ضرورة الاعتماد على كل الموارد معا لمواكبة تطلعات التنمية المستمرة، إضافة إلى صعوبة إحلال مورد للطاقة محل الآخر، حيث يحتاج مزيج الطاقة في المستقبل إلى الموارد مجتمعة بنسب متباينة.
ما يعني أن السعودية يحق لها أن تنتشي بما حققته للعالم بعيدا عن عزف بعض الدول وبعض المجموعات والتيارات التي كانت تغرد خارج الواقعية، بل تحملت السعودية العبء الملقى على كاهلها في محاولة سلك طريق متناغم بين تحقيق أمن الطاقة وبين تحقيق متطلبات تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لمواجهة كوارث المناخ، بسبب أن السعودية تملك رؤية واضحة ومهارة دبلوماسية في إدارة ملف الطاقة، وهو ما عكس ثقة مجموعة أوبك بلس والعالم بسياساتها حول سوق الطاقة.
لأن السعودية تدرك أن ارتفاع أسعار النفط ناتج عن أزمة في الطاقة العالمية التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط الخام مع تحول بعض محطات الطاقة إلى النفط، ما أكدته السعودية أنه لا يوجد نقص في النفط في السوق، وهو مزود بشكل جيد بما يلائم الاستهلاك.