د.عبدالله بن موسى الطاير
قنبلة، بحجم نووية إيران التي لم تولد، أطلقتها أمريكا تحت مسمى «الاتفاق المؤقت» بخصوص البرنامج النووي الإيراني؛ بمعنى «أقل في مقابل أقل»، أو «تجميد إيران تخصيب اليورانيوم عند 60%، مقابل أن تفرج واشنطن وحلفاؤها عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة أو تقديم إعفاءات من العقوبات على السلع الإنسانية». طبق «أبتايزر» تضعه أمريكا أمام إيران على مائدة فيينا نهاية الشهر، وهو تكتيك يذكرنا بما قدمته إدارة باراك أوباما من مشهيات بلغت 1.7 مليار دولار مقابل توقيع الاتفاق النووي عام 2015م.
حيل تفاوضية للقفز على حقيقة أن إيران امتلكت المعرفة النووية، ويعمل النادي النووي على تأجيل انضمامها لعضويته. وببساطة: «نحن مالنا ومال كل هذه الفوضى التي تديرها الدول النووية؟» ولماذا تستخدم أمريكا هذا الملف لإرهاب دول الخليج وتحذيرها من شر قد اقترب إذا كانت في مواقف أخرى تؤكد أن على هذه الدول أن تدير مشكلاتها معها بالحوار المباشر وعدم استخدام المفاوضات النووية لمعالجة نزاعاتها مع إيران. بمعنى آخر: لا مجال لمناقشة تدخلات إيران في المنطقة؛ ولا بحث مسيراتها وصواريخها البالستية.
روبرت مالي الذي يدير المشهد ليس مفاوضاً عادياً؛ وإنما محب ومعجب ويقدر إيران كثيراً. ووليد جنبلاط ربما كان السياسي العربي الوحيد الذي خرج للإعلام منتقداً تعيين روبرت مالي مبعوثاً للشؤون الإيرانية، واعتبر القرار الأمريكي: «دليل شؤم»، مضيفاً إن «أخطر شيء هم هؤلاء المثقفون الذين يعملون لدى مراكز الدراسات التي تحلل وتنتهي باستنتاجات على حساب الشعوب». أما السيناتور الجمهوري توم كوتون فكان من المشرعين الأمريكيين الذين انتقدوا بشدة تعيين روبرت مالي واعتبر ذلك أمراً مزعجاً للغاية «أن يفكر الرئيس بايدن في تعيين روب مالي لتوجيه السياسة الإيرانية. مالي لديه سجل حافل من التعاطف مع النظام الإيراني. لن يصدق آيات الله حظهم إذا تم اختياره». ولذلك فكما أن النظام الإيراني يعرف ماذا يريد كما امتدحه أوباما، معرّضاً بشتات رؤية العرب، فإن أمريكا بايدن تعرف ماذا تريد، واختارت للوصول إلى هدفها الشخص المناسب.
روبرت مالي يناور برسائل موجهة لإيران، ولدول الخليج وإسرائيل، وللداخل الأمريكي؛ ففي منتدى المنامة يهددنا السيد مالي بقوله: «إذا استمرت إيران في التقدم السريع الذي حققته، حتى لو عدنا إلى الاتفاق النووي لاستعادة منافعه، فسيكون ذلك مستحيلاً»، ويبشر بأن «على الولايات المتحدة وحلفائها أن يستعدوا لعالم لا يوجد فيه قيود على برنامج إيران النووي». ويقرر روب مالي ما يعرفه عامة الناس فيضيف: «ليس هناك غموض بشأن ما يبدو أنهم يفعلونه الآن؛ إنهم يماطلون في المحادثات النووية ويسرعون إحراز تقدم في البرنامج النووي»، ويدق ناقوس الخطر للمنطقة بأسرها قائلا: «هذا يجعلنا نقول إن وقت العودة إلى الاتفاق النووي قصير». وتعظيم الخطر بهذه الطريقة وربطه بعامل الوقت يعني أن أمريكا تريد شراء وقت أطول للتفاوض وذلك لن يتحقق إلا بطرح «الاتفاق المؤقت» للتفاوض.
تعيين مالي كبيراً للمفاوضين الأمريكيين يعني أن الموقف الأمريكي من إيران موقف إيجابي، ولإيران الحصول على ما تريد في مقابل عدم ولوج النادي النووي. وفي مساعيه لتحقيق هذا الهدف يستخدم كبير المفاوضين الأمريكيين دول الخليج متى شاء لدعم المفاوض الأمريكي، ويستبعدها متى شاء لتشجيع الإيرانيين. ولذلك يتم الترويج كلما تعثرت المفاوضات أو رفعت دول الخليج صوتها عالياً ضد هذا العبث الأمريكي بأن دول الخليج تتوقع من أمريكا أن تشن حرباً نيابة عنها ضد النظام الإيراني. ودول الخليج في دوامة أمريكية محكمة؛ فأمريكا لا تطلق للسعودية، مثلاً، القرار للتصدي لمشروع إيران، ولا هي تتخذ قراراً صارماً ضد تدخلات إيران في دول الجوار.
بدون محسنات بديعية؛ البرنامج النووي الإيراني يهدد أعضاء النادي النووي الذين يريدون لأنفسهم التفرد، ولذلك فإن روسيا وأمريكا والصين وبريطانيا وفرنسا لا تريد لإيران أن تمتلك سلاحاً نووياً تزاحمها به. ومن جانب آخر تريد إيران من سلاحها النووي حماية نظامها النشاز المعروف بولاية الفقيه من أخطار استهدافه، تماماً كما يفعل نظام كوريا الشمالية الذي امتلك السلاح النووي لحماية نظامه غريب الأطوار.