عمر إبراهيم الرشيد
يحدث كثيراً أن أحار عم أكتب مقالي الأسبوعي هذا، وقد يكون مبعث هذا شعور بأنه لم يعد هناك موضوع يحفز على الكتابة أو هو الملل أو التكرار أو غير ذلك من الأسباب. لكن قد يمر بي موقف أو حديث في مجلس فتقفز الى ذهني فكرة المقال، وليس بالضرورة أن يكون الموضوع جديداً أو غريباً، فشؤون الحياة الاجتماعية والفكرية لا تقف عند حد، وان تكررت تأتي في صور ومواقف وأحاديث لا حصر لها.
كنت في مجلس جمعني بأقارب وأصحاب، وأخذنا الحديث عن مواقف تاريخية تتصل بالسيرة النبوية وبعض الصحابة لم ترد على أذهاننا أو نعرف بها من قبل، وهي تفاصيل لا ترد عادة في المناهج الدراسية أو حتى بعض المصادر التاريخية الا البارزة منها. فكانت أحاديث السمر تأخذنا الى تلك التفاصيل الدقيقة. ثم أعجبني كلام أحد الجلاس حين قال بأنه يجهل كثيراً مثل هذه القصص والمواقف التاريخية وغيرها، مبعث اعجابي حقيقة هو اعترافه بجهله بتلك القصص وبكل أريحية دون أن يجد حرجاً في ذلك، وهي ثقة بالنفس دون شك وتعبير عن استعداد للتعلم لا يتوقف على سن أو مرحلة من العمر أو الادراك، مع الأخذ بالاعتبار بأن هذا المتحدث لديه من التبصر والخبرة المهنية ورقي السلوك ما يدل على ثقافة لا تنحصر بالضرورة في التاريخ بل في غيره من المجالات والثقافة بحر بعيد الغور وكل ميسر لما خلق له، وقد قال العلماء بأن (نصف العلم.. لا أعلم) ومن قال علمت فقد جهل!.
هذا الموقف الباعث على الاحترام والاعجاب حقيقة لا نراه كثيراً في مجالسنا أو منتدياتنا ووسائل التواصل الاجتماعي حالياً، بل نرى الادعاء ووهم الوصول الى العلم والثقافة والانتقاص من الآخرين بزعم جهلهم ونقص معلوماتهم العامة، وهذا السلوك بدأ يستشري حقيقة بسبب سهولة الحصول على المعلومة من (جوجل) وغيره من المصادر عبر الشبكة العنكبوتية، وشيوع الاقتباس مع عدم ذكر المصدر أو نسبة المعلومة الى صاحبها من باب الأدب العلمي والذوق الشخصي. زيادة على ذلك هناك من يخلط بين المعلومة والرأي، ويعتقد بأن الخبر أو القصة أو المعلومة واحدة لا تقبل النقاش أو احتمال الزيادة أو النقص أو تعدد المصادر. وصحيح أن عصرنا الحالي هو عصر المعلومة مع هذا الانفجار المعلوماتي الهائل بعد ابتكار الشبكة العنكبوتية والأجهزة اللوحية من هاتف جوال وغيره، لكن التقاط المعلومة شيء وفهمها وتحليلها والتفكير فيها بل وتوظيفها شي آخر، والثقافة انما هي توظيف المعلومة للاستفادة منها شخصياً وسلوكياً ومهنياً، والقدرة على فرز المعلومات وحتى الأخبار والقصص وتحليلها ومقارنتها ببعضها والقراءة ما بين السطور، ولله در قائل هذه الحكمة (نصف العلم لا أعلم).. إلى اللقاء.