إيمان الدبيّان
تستوقفني كثير من المفردات، أو العبارات في النصوص المختلفة من: آيات، أو أحاديث، أو شعر، أو نثر، أو حتى نصوص واردة، أو مقولات على سمعي عابرة، فأهيم في أودية التفكر، والبحث، والمقارنة، والاستدلال؛ لأصل إلى سبب، أو شاهد، أو حكمة، أو معلومة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الربط بين النعمة والشكر، فشكر الله على النعم والإقرار بها يكون قولاً وفعلاً، فيُظهر نعم الله عليه، في مسكنه وملبسه ومأكله حسب قدرته وطاقته، فيسكن من البيوت أجملها، ويلبس من الملابس أثمنها. ويركب من المراكب أريحها، ويأكل من الخيرات أطيبها، فالله يحب أن يرى نعمه على عبده، ويرى زينته وجمال مظهره، بما يملكه من نعمه وليس بما يتظاهر به من تزييف لحال ليس له، بشرط أن يكون بعيداً عن الإسراف المنهي عنه الذي هو من أسرف بمعنى تجاوز الحد عن المقصود والحاجة، والإسراف يكون في كل شيء يمكن تجاوز الحد فيه أكلاً، وشربًا، وكلامًا، ونومًا، وغير ذلك كثير، فيعبث بما وُهب من نعمة، ويجحد ما رُزق من هبة.
ومن الآيات التي تستوقفني كثيرًا قوله تعالى: {... يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا...}.
يعقوب -عليه السلام- يأمر ابنه يوسف -عليه السلام- بعدم حكاية رؤياه على إخوته حتى لا يحسدوه ويطيعوا الشيطان في إيذائه، درس قرآني رباني نبوي يبين أن أشد أنواع الحسد يكون من بعض الإخوة عندما لا يتساوون مع إخوتهم الآخرين مالاً، أو علمًا أو مكانة، إذا كان هذا حال أنبياء الله قبل آلاف السنين فكيف بوضعنا اليوم بعد تقطع صلات الرحمة بين بعض الأهل والأقربين؟! فليس كل قريب يُحكى له حال، وليس كل بعيد يخفى عنه أمر فقلوب الخلق ونفوسها حسب صفائها وطهارة روحها، وليست بنوع علاقتها ولا بأشكالها.
وبين النعم والكيد والحسد أتذكر بيتًا للمتنبي يقول فيه:
وكيف لا يحسد امرؤ علم
له على كل هامة قدم
بيت من قصائده التي لا تخلو من روح الحكمة، ومبادئ الفلسفة الإنسانية، بسؤال من نوع الأسئلة التعجبية، سؤال عن حال المرء العلم كيف لا يحسد وهو له وجود في كل قمة بمفخرة وعلو همة؟!
أشفق على من جعل الحسد له منهجًا فنار الحقد تأكله حيًا.
الكلمات الجميلة والقيمة تجبرنا على استشعار معانيها، والأخذ بمضامينها، فتكون دليلاً أو تتخذ مبدأ وقد تجعل مثلاً.