عبدالرحمن الحبيب
«السياسات المناخية للدول الغنية هي استعمار باللون الأخضر» هذا عنوان مقال طويل للبروفيسورة فيجايا راماشاندران، مديرة الطاقة والتنمية بمعهد بريكثرو (مركز أبحاث بيئي، كاليفورنيا) التي ركزت على تناقض النرويج لأنه من أكثر الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري بالعالم وبنفس الوقت تطالب الآخرين بخفض استخدامه إلى أدنى حد، كتبت متهكمة: «النرويج تُخبر إفريقيا بكل وضوح: سنبقى أغنياء، ونمنعكِ من التطور، ونرسل بعض الأعمال الخيرية إليكِ طالما أنكِ تحافظين على انبعاثاتك منخفضة».
في الوقت الذي تعمل فيه حكومات الغرب جاهدة لمنع بعض أفقر دول العالم من إنتاج الغاز الطبيعي الخاص بها، فإن النرويج مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية في أوروبا، وافقت للتو على زيادة صادرات الغاز الطبيعي بمقدار مليارَي متر مكعب للتخفيف من النقص الحاد في الطاقة بالقارة. جيرانها، مثل بريطانيا، ممتنون لكل كمية من الغاز مع اقتراب فصل الشتاء، حسب راماشاندران.
راماشاندران هي خبيرة اقتصادية تركز أبحاثها على إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بمواضيع التنمية والأمن الغذائي والبنية التحتية للطاقة.. وهي منزعجة من مخرجات كوب 26 التي ترى أنها تعمل على إبقاء جنوب العالم فقيرًا.. وتذكر أنه إلى جانب سبع دول أخرى من بلدان الشمال الأوروبي ودول البلطيق، مارست النرويج ضغوطًا على البنك الدولي لوقف تمويل جميع مشاريع الغاز الطبيعي في إفريقيا وأماكن أخرى في أقرب وقت بحلول عام 2025، كبيان غير منشور من قبل المجموع، وأكدته مجلة فورين بوليسي.
في كوب 26 ذهبت 20 دولة إلى أبعد من ذلك، حيث تعهدت بوقف كل التمويل لمشاريع الوقود الأحفوري الخارجية بدءًا من العام المقبل. وبدلاً من ذلك، تقترح دول الشمال الأوروبي ودول البلطيق أنه ينبغي على البنك الدولي تمويل حلول الطاقة النظيفة في العالم النامي «مثل الهيدروجين الأخضر والشبكات الذكية الدقيقة».
إن الفكرة القائلة بأن بعض أفقر الدول سيستخدمون الهيدروجين الأخضر (وهي من أكثر تقنيات الطاقة تعقيدًا) وتكلفة وبناء «شبكات ذكية دقيقة» في غضون بضع سنوات فقط هي فكرة سخيفة، على حد تعبير راماشاندران، لأنه لا يمكن لها ولا حتى للطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أن تغذي التنمية في تلك الدول بدون طاقة احتياطية باستخدام الوقود الأحفوري، الذي يعتبر الغاز أنظفها.
في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي توجد بها حقول غاز كبيرة في الخارج وتضم العديد من أفقر دول العالم، سيؤدي فرض حظر على تمويل مشاريع الغاز إلى إنهاء دعم البنية التحتية للطاقة الحيوية اللازمة لدعم التنمية الاقتصادية ورفع مستويات المعيشة بما فيها الكهرباء والمدارس والمصانع. لكن عندما يتعلق الأمر بنفطها وغازها، ترفض النرويج القيود. قبل مؤتمر كوب 26، قال رئيس الوزراء النرويجي إن التنقيب عن النفط والغاز في المستقبل سيكون حاسمًا للانتقال إلى الطاقة المتجددة. بعبارة أخرى: تعرف النرويج أن هناك حاجة للغاز ولكنها لا تريد أن تنتجه الدول الفقيرة.
هنا تصل راماشاندران إلى ذروة انزعاجها قائلة: دعونا نطلق على الأشياء بأسمائها الحقيقية: النرويج تعمل على تطوير النسخة الخضراء من الاستعمار. والمشكلة ليست النرويج فقط، إنه العالم الغني الذي يطلب من الجنوب العالمي أن يظل فقيرًا ويتوقف عن التطور، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل أي سيناريو دون زيادة كبيرة في استخدام الطاقة.. كتب الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني في مقال افتتاحي الشهر الماضي أن الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة الذي تدفعه الدول المتقدمة ووكالات المساعدة في إفريقيا «يقف لإحباط محاولات إفريقيا للخروج من الفقر».
إضافة إلى الكهرباء، فإن الوقود الأحفوري أكثر أهمية لتنمية إفريقيا. تعتمد الزراعة الحديثة بشكل كبير على النفط والغاز، إذ يتم إنتاج الأسمدة الاصطناعية لتحسين المحاصيل بكفاءة أكبر باستخدام الغاز الطبيعي، وكذلك تشييد الطرق والمباني وقطاع النقل، كلها تعتمد على النفط والغاز. إن الفشل في أن نكون صادقين بشأن احتياجات الطاقة في العالم النامي هو أمر غير إنساني وغير أخلاقي، حسب راماشاندران.
راماشاندران تعتبر ما يجري نفاقًا من النرويج، والنفاق يمتد إلى دول أخرى، فقد وضع الرئيس الأمريكي جو بايدن أهدافًا سامية، لكنه دعا موردي الطاقة الرئيسيين لتكثيف الإنتاج لتلبية الطلب الأمريكي على النفط، فيما حددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأهداف المناخية الطموحة مع منح الألمان متسعًا من الوقت - ما يقرب من 20 عامًا - للخروج من الفحم. وفي الوقت نفسه، فإن 48 دولة إفريقية جنوب الصحراء مسؤولة فقط عن أقل من 1 في المائة من انبعاثات الكربون العالمية التراكمية.
أخيراً تختم راماشاندران بأنه على الدول الغربية التوقف عن الشعارات السهلة وأن يكونوا حكماء بشأن كيف ومتى يتوقفون عن دعم الوقود الأحفوري، مع مراعاة العواقب الاجتماعية والاقتصادية.. إلا أن دول الشمال تراهن على تحقيق طموحاتها المناخية دون الحاجة إلى سياسات صارمة داخل بلدانها، مقابل فرض قيود على الآخرين. هذا السعي وراء الطموحات المناخية على حساب أفقر الدول ليس فقط نفاقاً، بل إنه استعمار غير أخلاقي وظالم وأخضر في أسوأ حالاته حسب تعبير راماشاندران.