منصور ماجد الذيابي
انطلقت قبل أيام قمّة المناخ التي طال انتظارها والمعروفة بالمؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي في مدينة غلاسكو الاسكتلندية حيث شاركت وفود تمثل نحو 200 دولة في القمة, لبحث سبل التقليل من الانبعاثات بحلول عام 2030 والمساعدة في تحسين جودة الحياة على كوكب الأرض. ومع بدء فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ تتجه أنظار العالم برمّته نحو ما ستتمخّض عنه هذه القمّة العالمية من مقرّرات وتوصيات للحدّ من تفاقم مفاعيل تغيّرات المناخ الكارثية على كوكب الأرض وسكّانه.
ويبدي خبراء بيئيون واقتصاديون خشيتهم من أن تطغى المصالح الاقتصادية الآنيّة لدى بعض الدول والتكتلات على المصلحة العالمية والإنسانية المشتركة في وقف التدهور البيئي الحاد, وأن تتحوّل القمّة لمحفل علاقات عامة, دون إقرار برامج وإستراتيجيات جادة وملزمة لمكافحة الخطر الأهم الذي يتهدّد العالم, بفعل ظواهر ناجمة عن تغير المناخ كارتفاع درجة حرارة الأرض والفيضانات والأعاصير المدمّرة وحرائق الغابات والتصحّر والجفاف ونضوب الموارد الطبيعية في دول العالم.
وفي ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري التي يسبّبها الإنسان, يحذّر العلماء من أن إجراءً عاجلاً يكون مطلوباً من أجل تفادي كارثة مناخية. وخلال كلمته في المؤتمر قال رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون إن القمة ستكون «لحظة اختبار لمصداقية العالم».
وعن المتوقع من توصيات ونتائج أعمال القمة لمواجهة تغيّرات المناخ, يقول أحد خبراء البيئة العرب إنه من المفترض أن تقلّل مختلف دول العالم على ضوء انعقاد قمة المناخ في غلاسكو استخداماتها من الوقود الأحفوري والنفط والغاز موضحاً أن تلك الاستخدامات تساهم في تلوث البيئة وبالتالي على هذه الدول التحوّل إلى الطاقة النظيفة والتوسع في زراعة الغابات وحمايتها وتكثيف عمليات التشجير للحد من ظاهرة التصحّر التي تهدد بقضم المساحات الخضراء وتدمير الغطاء النباتي في العديد من دول العالم, ولا سيما تلك التي تعاني من الجفاف وشحّ الأمطار ونضوب المياه الجوفية.
يذكر أن الوقود الأحفوري هو وقود يستعمل لإنتاج الطاقة الأحفورية ويستخرج من المواد الأحفورية كالفحم والغاز الطبيعي والنفط. ووفقاً لخبراء المناخ فإن من سلبيات استخدام الطاقة الأحفورية هو احتراق الوقود الأحفوري الذي يعد من العوامل الرئيسة لتلوث الهواء والتسبب في الاحتباس الحراري الناتج بدوره عن غازات تغلّف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب, ممّا يسبّب ارتفاعاً في درجة الحرارة, ويزيد التصحّر والجفاف.
ووفقاً لما نشره موقع اندبندنت عربية تشير توقعات مناخية مثيرة للقلق أصدرتها حديثاً «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى احتمال متزايد جداً مفاده أن المتوسط السنوي العالمي لدرجة الحرارة ربما يبلغ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الثورة الصناعية, وذك في غضون السنوات الخمس المقبلة فقط. وبذلك فان الوصول إلى متوسط درجة الحرارة المذكور سيعني أن كوكبنا قد بلغ فعلاً الحدود الدنيا التي تعهّدت الدول, قبل ست سنوات فقط, بأن تتفاداها بموجب «اتفاقية باريس للمناخ» Paris Climate Agreement التي تم إقرارها في فرنسا قبل نحو خمس سنوات.
وفي اليوم الأخير من أعمال قمّة غلاسكو, نصّت مسودة البيان الختامي على تقليل استخدام الفحم الذي يتسبّب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي. كما نصّت الاتفاقية على تقليل معدّل الانبعاثات الغازية وتوفير دعم مالي للدول النامية للتكيف مع تبعات التغيّر المناخي, ولكن لم يتمكّن المشاركون من التوافق على تقديم ضمانات بتقليل معدل الانبعاثات بحيث تبقى معدلات زيادة درجة حرارة الأرض أقل من 1.5 درجة مئوية. وكان المشاركون اتفقوا في النهاية على «تقليل الاعتماد» على الفحم بدلاً من «منع استخدامه».
وقد تزايدت في الآونة الأخيرة مطالب الناشطين في مجال البيئة وكذلك تحذيرات خبراء المناخ من عواقب التغيّر المناخي التي تنذر بسوء الخطر القادم, وتتنبّأ في الوقت ذاته بأنّ البحار ستبتلع بعضاً من مدن العالم المكتظّة بالسكان كالإسكندرية والبصرة وشنغهاي وميامي وغيرها في حال لم تلتزم دول العالم لا سيما الصين وأمريكا بتوصيات قمّة المناخ للحدّ من الانبعاثات الكربونية.
الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية كانت قد أطلقت مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتان أعلن عنهما سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مدينة الرياض بمشاركة وفود عالمية, والتي تستهدف الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية بحلول العام 2060 وزراعة 10 مليار شجرة داخل المملكة خلال العقود القادمة. يأتي هذا التوجه السعودي لمكافحة التلوّث وتدهور الأراضي والحفاظ على الحياة البحرية إيماناً من حكومة خادم الحرمين الشريفين بضرورة التعامل مع قضية التغير المناخي التي تهدّد كوكب الأرض بارتفاع منسوب البحار والفيضانات وارتفاع درجة الحرارة واشتعال الحرائق في الغابات.
وفي حال فشلت جهود العالم في حماية الأرض من الآثار المدمّرة للتغير المناخي, فإن ما تخشاه المنظّمات المعنيّة بالشأن البيئي قد يدعو للتساؤل والتأمل والتدبّر وانتظار انفجار الكوكب وما سيؤول إليه هذه الانفجار من انقراض جميع المخلوقات على الأرض ما يعني أن الإنسان قد يتّخذ مساراً فكرياً مختلفاً للتأمّل في تلك الانهيارات العظيمة والكوارث الطبيعية والجنوح بالتالي إلى الفرضيات والتأويلات حول علاقة التغيّر المناخي بقرب ظهور علامات الساعة التي لا يعلم موعدها إلا الله سبحانه وتعالى الأمر الذي يدفع الفكر الإنساني للتأمّل والتدبّر والتفكّر في كيفية الاستعداد ليوم الحساب العظيم.