د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حطتْ في آفاق كلية التربية للبنات بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ديباجة وثائقية رصفتْ جليلاً من تاريخ الكلية الغزير منذ التأسيس (1390) وهو ما تضمنه الكتاب الموسوم بعنوان (كلية التربية رحلة تطوّر وعطاء) الذي صدر حديثاً هذا العام 1443؛ وفيما بين شقي العنوان (التطور والعطاء) هناك إعلانات تفيض عن ملامح أوقات اكتنزتْ بمروياتْ التأسيس المتينة التي أرستْ قواعدها عقول عربية وسعودية تحقق من خلالها مفهوم الاندماج المعرفي حتى احتشدت قسمات المكان بصفوف من مصانع المعرفة اهتزت وربت بعون الله ثم الجهود الوافرة؛ وكان من مستخلصاتها تكوين جيل من بنات الوطن استطعنَ استيعاب ما يجري في عوالم العصر الحديث، وتوشّح الكتاب برصد وقور لقيادات ذلك الصرح التعليمي؛ وعضوات التدريس فيه على مر عهود الكلية وعقودها، ومن خلال الرصد الدقيق كانت هناك وقفات فاخرة لأدوات المسير؛ ووصف لافت للهياكل التنظيمية ومسارها التطويري هناك، وإن خلا الكتاب من تحليل المستحدثات إلا أن الدخول الدقيق في رصف مهامها أدى إلى الوضوح على النحو المطلوب؛ ومن ثم كان توظيف ذلك الرصف للتجاوز إلى ما هو أفضل مخرجات وتنظيماً! وتشي لغة الكتاب في جلِّ مفاصلها ببساط واضح مقروء لم تعيقه اللغة الوظيفية عن ملاحظة الترقي الحضاري الذي مرت به عهود كلية التربية وأقسامها، ولقد برزت في الكتاب الأهداف الوطنية لكلية التربية للبنات التي بسطتها الأستاذات القائمات على مشروع الكتاب، وبدتْ وثيرة ممتزجة بقوة المتن وسمو الغايات التي تقدّمتْ بكل طاقاتها للاندماج في صفات الصرح العلمي المهيب (كلية التربية للبنات)؛ ومضت المؤلفات على مدى ثلاثمائة صفحة أقلاماً تشهد وتستشهد بأن واقع كلية التربية ومخرجاتها كانت حافلة رغم الصعوبات؛ فحديث الأستاذات المؤلفات ورصدهن غزير عن الامتلاءات في الكلية حمل ذلك معه زهواً وافتخاراً ظاهرين! حيث استطعن استنطاق كل عهد بأسلوب يجلّيه، وحظيت فترة وجود كلية التربية ضمن المنظومة التعليمية في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بعد إنشائها، حظيتْ بحيازة طرح فيَّاض غزير حملته الأحداث ومواقف التطوير والمزج العلمي في مفاصل الطرح، حيث إن هذه الحقبة جعلتْ حراك كلية التربية متاحاً وقابلاً للتداول العالمي! ولقد اعتمدتْ الأستاذات مؤلفات الكتاب على الاطلاع والنقل من مصادر صحيحة صادقة رُصفتْ في آخر الكتاب من الشهود العدول؛ وكان الأسلوب إجمالاً ثمتفصيلاً يفضي إلى حزم من المؤكدات؛ وتوارى الرأي الذاتي من الكتاب إلا لُماماً مما جعل الكتاب يتوشّح بالحيادية! كما لم يكن الرأي الشخصي مفتتحاً في كل وقفات الكتاب ولم يسترخِ الكتاب عن القوة التي تشكّلَ منها في كل تفاصيله ففي الكتاب إشارات وافرة لجسور اتصال بين كل عهود كلية التربية وسنواتها وبين قياداتها التي توالتْ وأنبتتْ كثيراً من الصِّلاتِ النامية، وأحسبُ أن الكتاب صوت مخلصٌ يمثِّل مسيرة وسيرة كلية التربية للبنات بالرياض كنواة عريقة للكليات الجامعية للبنات في (أجندة) زمنية طويلة تجاوزت الخمسين عاماً وما زالت تغذُّ المسير نحو بوابات الحياة الواعية بمخرجات انخرطتْ في تاريخ تعليم البنات في بلادنا وافتتحتْ إستراتيجيات توطين التدريس في التعليم العام والعالي كإستراتيجية وطنية آتت أكلها؛ وختاماً يُحمدُ للأستاذات اللاتي قمن على إعداد الكتاب حينما وقفنا نحن جمهور القراء معهن واستوقفنا في ثنيات المكان ووصفه ورسمه وما ارتبط به من علائق الزمان، ومحطات التعليم الجامعي الوطني الممنهج، وانشقتْ أبصارنا من خلال الكتاب على نماذج للمرأة السعودية المضيئة التي أسهمت في مسيرة تعليم البنات في بلادنا!
وفي عموم الكتاب فكل الانتقاءات والانتقالات والرصد والإحصاءات وما حواه الكتاب من الأعلام والإعلام يحملُ للقارئ زخماً لا ينتهي من القراءاتِ، حيث إن الكتاب وثائقي ومسيرة تعليمية تُذْكر وتُشكر.
كما أن الكتاب تصوير للبدايات والنشأة بشواهد واقعية، ومؤثِّرات تركتْ بصمات في تشكيل المعرفة عند جيل من نساء بلادنا ولا يزال؛ وتزامن ذلك مع إستراتيجيات للتطوير تمكنت من الحفاظ على المنابع وتقوية المصبات وتمهيد المسير، فكان الكتاب مصفوفة تاريخ فاخرة لتعليم البنات في بلادنا.