سلمان بن محمد العُمري
كانت الشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة على حد سواء يواجهون صعوبة في التعريف بمنتجاتهم الجديدة أو بعروضهم التسويقية، وكانت وسائل الإعلام التقليدية هي أبرز الوسائل للوصول للمستهلك، ولا تكاد تخلو جميع محطات التلفزيون والإذاعة والصحافة من المواد الإعلانية التي كانت تدر عليها أرباحاً فلكية، ومع قدوم الإعلام الجديد أو البديل أو الإعلام الرقمي اليسير عبر أجهزة الحواسب الصغيرة والهواتف المحمولة ومن خلال وسائط التواصل الاجتماعي تيسر على الشركات والمؤسسات مخاطبة أكبر وأكثر شرائح المجتمع، ومواقعهم الخاصة، أو عبر أدوات الإعلان، أو من خلال المشاهير، وقد حققت لهم هذه الوسائط اتصالاً عريضاً بالجماهير والمجتمع مما أثر على الاستهلاك ومضاعفته، وعلى السلوك التسويقي والاستهلاكي في المجتمعات لدرجة أنه تسبب في زيادة أرقام القروض البنكية الشخصية لدى الأفراد الذين أصبحوا يتسوقون بما لديهم وما عجزوا عنه اقترضوا لذلك، وأصبح داء الاقتراض ملازماً للنساء والرجال، والكبار والصغار بعد أن قذف بهم تيار الإعلام التسويقي إلى الرغبة الجامحة في اقتناء المهم وغير المهم، والضروري وغير الضروري، وأسهم ذلك في التضخم الاستهلاكي للمجتمع.
كانت الصحافة والإذاعة وحتى التلفزيون لها عدد محدد من المتابعين، ويبث الإعلان في أوقات محددة، أما الإعلانات الجديدة فإنها تتداول بين الناس في هواتفهم، ويمكن أن تظهر في مواقع الشركات، ومن مميزاتها أن تبقى محفوظة، وقد استغلت الشركات والمؤسسات هذه الوسائط بل أصبح الإعلام الرقمي جزءاً من مكونات الشركات والمؤسسات لأن الإعلام الرقمي في متناول الجميع، وأصبح لدى هذه الشركات والمؤسسات دهاء وذكاء في التسويق المباشر وغير المباشر للتأثير على المستهلكين مما أسهم في زيادة المساحة التسويقية لهم بل تخطت المبيعات البراري والبحار عبر التجارة الإلكترونية التي أصبحت سوقاً ينافس الأسواق التقليدية، وقامت شركات محلية وأجنبية ولها اسمها المعتبر ونافست شركات تجارية وأسماء لامعة البعض منها تخطى المائة عام والخمسين عاماً.
إن من الطبيعي أن تبحث الشركات والمؤسسات عن وسائل لتسويق منتجاتها وتكثيف مبيعاتها وقد وجدت ضالتها في هذه الوسائل، ولكن الواجب على الجميع أن يكون لديهم الوعي الاستهلاكي، وألا تؤثر عليهم المغريات التي تبث عبر المنصات الإعلانية والتجارية، وأن يتعلم الصغير والكبير على حد سواء الإدارة المالية لمصروفاته وترشيدها فقد لحظ مع زيادة الاستهلاك زيادة القروض الشخصية للكماليات وليس الأساسيات وأصبح الشخص أسيراً للدعاية والإعلان والنفاق الاجتماعي المؤثر في البيئة المحيطة في مجاراة الناس في مشترياتهم والتقليد المضر لهم، ولا سيما أن الكثير أصبح مولعاً بتصوير كل مستهلك جديد ويشتريه حتى في طعامه وشرابه، وزادت وتيرة الاستهلاك متأثرة بالسوشال ميديا.
وإذا لم يتدارك الناس جميعاً خطورة الانجراف الاستهلاكي فسوف يكونون مستقبلاً ضحية للديون والقروض الشخصية أو التفريط بما لديهم من مكتسبات مادية قد يكونوا في حاجتها مستقبلاً وعندها يلتفتون فلا يجدونها ويضطرون إما للاقتراض أو لحرمان أنفسهم من الضروريات مقابل الكماليات.
يحدثني أحد الأخوة العرب ممن يحملون الجنسية الألمانية ويقيم في المدينة المنورة منذ عدة سنوات عن صديق له طبيب عربي مقيم في ألمانيا ومهووس بكل ما هو إلكتروني فتجده يسارع لاقتناء كل جديد تقني وساعده في ذلك أن يكون ميسوراً، وكانت زوجته الألمانية أعقل منه (في هذا الجانب) فكانت تعارضه وتقول له: أذكرك في المثل الألماني القديم، »إذا اشتريت ما لا تحتاج فإنك تسرق نفسك»، وهذا المثل يحمل كثيراً من الحكمة، وخير وأبلغ منه طبعاً قول ربنا عز وجل: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ .
البعض يتذمر من الضريبة وهو يسرق نفسه يومياً بشراء ما لا يحتاج والحل بيديه وهو ترشيد الاستهلاك وتجنب الإسراف والابتعاد عن بعض العادات الاجتماعية السيئة كتقليد البعض في أشياء ومباهاة لا ضرورة لها، وتغير سلوكنا وعقليتنا الاستهلاكية ونمط عيشنا وتجنب مصيدة التواصل الاجتماعي.