قال أبو عبدالرحمن: كتبتُ هذه القصيدة في الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- في 28-1-1420هـ، وإليكم نصُّها:
تُحيِّيكَ أسمارٌ وتهفو قصائدٌ
لها مِنْ سجاياكَ العِظامِ عوائد
قال أبو عبدالرحمن: الأسمارُ كناية عن جميل ذكر الممدوح حيث يسمر به القوم في ناديهم.
بأخلاقكَ الغرَّاءِ أمسيتُ شاعراً
وإنَّيَ عن أَسْرى نوالكَ حامد
فما نال مدحاً صادقاً ذو تَطَبُّعٍ
ولا نال حمداً من حِباهُ مقاصد
قال أبو عبدالرحمن: حباه: عطاؤه.. والمدحُ للصفات الحميدة كالذكاء، والحمد لما يصدر عن الصفات من أفعالٍ تُشكر كالبذل والنجدة.
سوى وجهِ ربٍّ يُرْتَجَى نيلُ عفوِه
وإكرامِ شعبٍ في الولاء يكابِد
وأنَّى له جدُ الصنيعةِ والندى
وتلك ظِلالُ الأمنِ والعيشُ راغد؟!
قال أبو عبدالرحمن: أنَّى: اسم استفهام للاستبعاد بمعنى (مِن أين؟).
وهل يَسْأمُ الأسفارَ يا فهدُ قادِمٌ
له في ذراكَ العطرُ والظِّلُ بارد
وإلا أُغِذُّ السيرَ نحوكَ مُسْرِعاً
فأنت شعاعُ الشمسِ في الأُفْقِ صاعد
قال أبو عبدالرحمن: إسكانُ فاءِ (الأفق) ضرورة سهلة معتادة، والأصل ضمها.
وسِيَّانَ في إمتاعِها ومتوعِها
وأفياءِ آصالٍ مقيمٌ وقاصِد
أفهدُ سميُّ الفهدِ أنعمتَ مُكرِماً
وأشْهدتَ هذا الحفلَ أنك ماجد
قال أبو عبدالرحمن: الهمزة قبل (فهد) لنداء القريب المصغي.
وشرَّفْتَ من قد شَرَّفوا بمواهبٍ
فكانوا لكم فخراً كما سُرَّ والد
ولمَّا جَنَوْا أثمارَ غرسٍ سَقَيْتَهُ
تهلَّلْتَ بالبشرَى كأنك حاصد!
قال أبو عبدالرحمن: جمع الثمرة ثِمار.. وجمعُ الجمعِ: ثُمُرٌ.. وجمعُ جمعِ الجمعِ ثمار.
وأُسْعِفْتَ بالتوفيق لا زلتَ مسْعَفاً
ففاح أريجٌ إذْ تَسَنَّم خالد
تَضّوَّعَ من دارِ الجنوبِ مُرَفْرِفاً
يصوغ الشذا مُنقادها والفرائد
قال أبو عبدالرحمن: منقادها والفرائد: ما تلاحم أو انفصل من جبال عسير الشاهقة.. الشذا: قوة ذكاء الرائحة العطرة.
أبا الفنِّ والشِّعرِ المجنِّحِ والضَّنَى
أَخَفْتَ المعانيْ الْجَدْبَ وهي حواشد
قال أبو عبدالرحمن: الضنى: السُّقام الملازم.. وهو هنا كناية عن وجدانيات (خالد الفيصل) الجالبة لضنى العشاق.. والجدب بفتح الجيم.. وهمزة (أخفت)؛ لتعدية الفعل إلى مفعول آخر.
إذا أنت صيَّرتَ الجديدَ مُعَتَّقاً
وَرَقَّصْتَهُ لحناً ولم يَنْأَ شارد
فوا رحمتا للمبدعين إذا أَتوَوْا
وقد جَفَّ نَبْعٌ فالمبانيْ كواسد
وقد يُخْتَمُ الشعرُ الأصيلُ بواحدٍ
ويُخْتَمُ جيلٌ ليس فيه خرائد
وعُشَّاقُ عصماواتكَ الغُرِّ شُرَّعٌ
ولن يَخْتِمُ العُشَّاقَ في الدهر واحد
قال أبو عبدالرحمن: الشريعة: العِدُّ من الماء.. والشُّرَّعُ جمع شارع.. وكل ذلك كناية عن معاني شعر خالد وأخيلته.
ويبقى رفيعُ الذوقِ في كلِّ خالفٍ
وَيَشْقَى به صَبٌّ عليل وساهِد
على أنه عند الْخَلِيِّ تَرَفُّهٌ
يُناغِيه نَغْمٌ راقصٌ أو فوائد
قال أبو عبدالرحمن: يداعبه ويناجيه بملاطفة.. والغين في (نغم) بالفتح، والسكون في لغة العرب؛ فلا ضرورة هاهنا بالتسكين كالأفق.
لئن جَفَّ ينبوعٌ وماتتْ قرائحُ
وعزَّ بديعُ الفكرِ إذْ هو عاند
قال أبو عبدالرحمن: عاند: متأبٍّ غيرِ منقاد، والأصل لغةً: عَنَدَ الرجل بمعنى عتا وطغى وجاوز قدره؛ فهو عانِد.
فقد داعبتْ أوتارُ عزفِكَ جامحاً
وَعَبَّدْتَ مُعْتاصاً فسهمك صارد
قال أبو عبدالرحمن: صارد: نافذ مصيب كما قال الزجَّاج؛ وهو المناسب للاشتقاق.. وأما معنى أخطأ - كما رأى قُطرب- فإنما هو من أوهام بعض الأعراب، أو سوء فهم بعض الشراح للشعر.. وشاهد نفذ وأصاب قول اللعين المنقري يهاجي جريراً والفرزدق:
فما بُقْياً عليَّ تركتماني
ولكنْ خفتما صَرَدَ النِّبال
ولا غَرْوَ قد ذَلَّلْتَ من سرواتها
فجاجاً عويصاتٍ وعزمك صامد
قال أبو عبدالرحمن: لا غرو: لا عجب؛ فمن عَبَّد سروات عسير يُعَبِّد الشعر!.
يَعِزُّ مديحي فيكما عن رَوِيَّةٍ
وكم ذادني عن رائعِ الفنِّ ذائد
فلولا سجاياً منكما فاح نَشْرُها
لما فاح نَشْري أو تألَّقَ وارد
قال أبو عبدالرحمن: الوارد ما يخطر من معنى وخيال وفكر.
هنيئاً لنا عزمُ الشبابِ وجِدُّه
يقود مراميهِ طريفٌ وتالد
قال أبو عبدالرحمن: تالد: في مجاز اللغة كل مأثور قديم.
على الْرُّغْمِ من أُمِّيَّةٍ مُدْلَهِمَّةٍ
توالتْ بها الضَّرَّاءُ والفكرُ خامد
قال أبو عبدالرحمن: مدلهمة: كثيفة الظلام.
سنينٌ مضتْ وَهْي حواصدُ
دجاها كثيف ليس فيه فراقد
قال أبو عبدالرحمن: كل ما سيأتي فهو عن الأحوال قبل إنقاذ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لأمته وبلاده.
صُراخُ نَعْيٍّ أو نداءُ مُتَرَّبٍ
دها حائفٌ أذواده وهو هاجد
قال أبو عبدالرحمن: نَعِيٌّ: نداء الداعي المشعِر بموت أو قتل.. والحيافة لصوصية ممدوحة في العهود المظلمة لما فيها من مخاطرة وشجاعة وكسب مال حرام يجعلونه من رزق الله لهم.. والحيافة من اصطلاح العامة؛ وهو اصطلاحٌ صحيح؛ لأنَّ في الفصحى تحوَّفَ الشيىء بمعنى أخذه من حافته.. والحائفُ الزائر، ومن كان في الحافة؛ أي الجانب.. والحائف يأخذ بالأطراف من الجوانب حتى ينام القوم.. هاجد: نائم.
وطوراً يدوس القومُ ساحته ضحىً
فَتُسبَى مواشٍ أو يَخِرُّ مُجالد
وَأَعْظِمْ بها رُزْءاً حلوبةِ طِفْلِهِ
إذا سال نَزْفاً دَمْعُهُ المتناضد
قال أبو عبدالرحمن: أي دمع الطفل.
ويمسي سليبُ القومِ في البرِّ مُعْدماً
شَنِينٌ يواسيهِ إذا جاد رافد
قال أبو عبدالرحمن: شنين: لبن يمزج بماء كثير عند قلة اللبن.
ويصبح طوراً ذا ثراءٍ وزينةٍ
يموج جهاماً رَبْعُهُ المتباعد
قال أبو عبدالرحمن: الإبل زينة العرب، وفي سورة النحل امتنان الله على العرب بأنَّ الإبل جَمال لهم.. والجهام كلها سواد؛ وهو مجاز على التشبيه من جهمة الليل؛ وهي أول مآخيره.. والربع المنزل من رَبَع المكان إذا اطمأن وأقام.
ثراءٌ وَعُسْرٌ بين يومٍ وأَمْسِهِ
وثارٌ تُغَذِّيه قلوبٌ حوارد
قال أبو عبدالرحمن: حوارد مغتاظة بتحرش ذووها بمن غاظهم.. قال الشاعر:
أسود شرىً لاقتْ أسودَ خفيِّةٍ
تساقين سُمَّاً كلُّهن حوارد
وأهل القُرى نَهْبُ المواجع والردى
جفافٌ وفقْرٌ مُدْقِعٌ وشدائد
قال أبو عبدالرحمن: ملصق بالدقعاء وهي الأرض وترابها.. الردى: الهلاك.
وَفُرْقَةُ أضغانٍ وجهلٌ مُرَكَّبٌّ
وكَدْحٌ كَؤُوْدٌ إذْ تشُحُّ موارد
غُضُونٌ أفانينُ الأسى في كهوفِها
حفاةٌ جياعٌ والقتادُ وسائد
قال أبو عبدالرحمن: الغضون تكسرات في الجلد كالتجاعيد، وما تحت الخطوط الناتئة في الجبين.
عيونٌ على اللأواءِ ما اكتحلتْ كرى
ولكنْ لها وَطْءُ السُّهادِ مَراودُ
فأنقذها ربُّ البرية مُنْعماً
بميمونِ سَعْدٍ للرعيِّةِ رائد
بعبدِ العزيزِ الفخم أوحدِ جيلِه
فَشُدَّتْ به أيدٍ وشِيْدَتْ معاهد
وَقَرَّتْ عيونُ المسلمين بيمنه
وَقَرَّتْ ربوعُ الدار فالأمنُ سائد
وقام مقاماً خَلَّد اللهُ نفعَهُ
وأرْسى أصولَ العدل فهو خوالد
ولم يَرْضَ أسبابَ التخلُّفِ واقعاً
وقد أُحْكِمتْ دونَ العلومِ وصائد
قال أبو عبدالرحمن: وصائد: جمع وصيد؛ وهو المغلق عليه.
فَشَمَّرَ يُذكي الوعي في رُوْعِ شعبِه
وَأَبْرَمَ بالتدبير ما الله عاقد
قال أبوعبدالرحمن: يُذكي: يُوقِد.. رُوْع: قلب.
لِتَسْعَدَ أجيالٌ وتحيا مواهبُ
على ما بنى راعٍ أمينٌ ووالد
وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
شعر/ أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عني وعن جميع إخواني المسلمين.