د. تنيضب الفايدي
للكعبة بابٌ وهو أشرف الأبواب، وموقع هذا الباب في الجهة الشرقية، ويرتفع عن الأرض من الشاذروان 222سم، ويحظى هذا الباب محل تقدير واحترام لدى جميع المسلمين، وفي البداية كانت فتحة للدخول ثم صنع في مكانها باب، ولا يعرف على وجه الدقة أول من صنع له الباب. يذكر السهيلي أن أول من جعل للكعبة المعظمة باباً أنوش بن شيت بن آدم، واختلفت الروايات الإخبارية في أول من جعل للكعبة المعظمة باباً في بنائها، فقد أورد الأزرقي في أخبار مكة عن ابن جرير بأن تبع أول من كسا الكعبة كسوة كاملة، وجعل لها باباً يغلق، ولم يكن يغلق قبل ذلك، وذكر ذلك في سيرة ابن هشام أيضاً، ولكن أخبار تبع غير موثوق بها، وإن أوردها بعض المصادر، فمن هو تبع؛ لأن تبعاً لقب لحاكم اليمن، كما أن فرعون لقب لحاكم مصر، وكسرى لقب لحاكم الفرس. وذكر الأنصاري بأن إبراهيم عليه السلام لم يجعل في بنائه للكعبة المعظمة لها باباً، ولا قفلاً، ولا سقفاً، كان بناؤه مثال البساطة التامة. وأورد الفاكهي بأن جرهماً أول من صرّع باب الكعبة، ويذكر ابن هشام أن قصي بن كلاب أول من وضع قفلاً للكعبة لفتحها وإغلاقها أمام الزائرين، وأن لا يدخل أحد إلى الكعبة إلا بإذنه. ولكن من المؤكد أن هناك باباً للكعبة قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عندما تم فتح مكة طهّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة من جميع الأصنام المحيطة بها، ثم دخلها وصلى بها ركعتين، فقد روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقها عليه ثم مكث فيها. قال ابن عمر: فسألت بلالاً حين خرج ما صنع رسول الله؟ قال: جعل عمودين عن يساره وعموداً عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة ثم صلى. رواه البخاري، ثم خرج فأعطى مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة وكان مفتاح مع عثمان بن طلحة من بني شيبة قبل أن يُسلم، وكان صلى الله عليه وسلم قد طلب من عثمان بن طلحة المفتاح قبل أن يهاجر إلى المدينة، فأغلظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم القول ونال منه، فحلم عنه، وقال: «يا عثمان لعلك ترى هذا المفتاح يوماً بيدي، أضعه حيث شئتُ، فقال عثمان: لقد هلكت قريش يومئذ وذلّت، فقال صلى الله عليه وسلم: بل عمرت وعزّت يومئذ، ووقعت كلمته من عثمان بن طلحة موقعاً، وظن الأمر سيصير إلى ما قال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم دفعه إلى عثمان بعد أن خرج من الكعبة قائلاً: «اليم يوم بر ووفاء» وقال: «خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً، لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلا ظَالِمٌ»، وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم: «يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف، قال: فلما ولّيتُ ناداني، فرجعت إليه، فقال: ألم يكن الذي قلت لك؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة، لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت، فقلتُ: بلى أشهد أنك رسول الله. وهذا يدلّ على خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم الرفيع. ولا يزال المفتاح بيد هذه الأسرة المباركة، أسرة عثمان بن طلحة من بني شيبة إلى يومنا هذا، كما روى ابن ظهيرة أن قريشاً يفتحون البيت في الجاهلية يوم الاثنين والخميس، وفي رواية الفاكهي: يوم الاثنين ويوم الجمعة.
باب الكعبة مرتفع عن الأرض بمقدار أربعة أذرع وشبراً، وسبب ارتفاعه كما قال الأزرقي: «كان باب الكعبة على عهد إبراهيم عليه السلام وجرهم بالأرض حتى بنتها قريش، قال أبو حذيفة بن المغيرة: يا معشر قريش، ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل عليكم إلا بسلّم، فإنه لا يدخل عليكم إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط فكان نكالاً لمن رآه، ففعلت قريش ذلك وردموا الردم الأعلى وصرفوا السيل عن الكعبة».
وقد تم تغيير الباب عدة مرات، ففي العهد السعودي تم تركيب الباب مرتين، الأول في عهد الملك عبد العزيز آل سعود عام 1363هـ والباب الثاني في العهد السعودي تم تركيبه في عهد الملك خالد بن عبد العزيز عام 1398هـ وقد صنع هذا الباب من الذهب الخالص، ووزنه (280) كيلوغراماً، حيث كلّف صنعه أكثر من ثلاثة عشر مليون ريال (آنذاك)، أي: أنه لو حسب حالياً ستتضاعف تكلفته، وباب الكعبة المشرَّفة من المعالم التي يشاهدها الزائر والمعتمر والحاج، وهو نموذج رائع للفن الإسلامي في الزخرفة.