سوف نتناول في هذا المقال تأثير التغيرات المناخية على تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين كأحد الأهداف العالمية للتنمية المستدامة.
التغييرات المناخية العالمية وتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين حين يحدث فيضان أو إعصار، وحين يعم الجفاف ويزداد التصحر، فإن الضرر يصيب جميع المواطنين في المناطق المنكوبة. لكن هل يتضرر الجميع بالمستوى نفسه؟ النساء يعانين من التغيرات المناخية أكثر مما يعاني الرجال!!!.
تشكل كل من النساء والفتيات خط الدفاع الأول ضد الآثار الناجمة عن تغير المناخ، وهن الأكثر عرضة للآثار الناجمة عن تغير المناخ. تعتمد النساء، خاصة في الدول النامية، بشكل أكبر على الأنشطة الزراعية وتربية الحيوان ورعي الماشية، كما أنهن الأكثر عرضة للفقر وندرة الغذاء والحصول على قسط أقل من التعليم، وإضافة إلى ذلك، تندر احتمالات تملّكهن للأراضي أو الممتلكات الشخصية، مما يجعلهن الأكثر عرضة لمواجهة الكوارث الطبيعية. هذا، وتسبب علاقات القوى غير المتوازنة والأعراف الثقافية أن تبقى المرأة ناقصة التمثيل في صنع القرارات، وبالتالي صعوبة ضمان فرص أفضل بالنسبة لهن مستقبلاً.
تشير التقديرات إلى أن 60 % من الأشخاص الذين يعانون من الجوع المزمن هم من النساء والفتيات. وتشكل المرأة، في المتوسط، 43 % من القوة العاملة الزراعية في البلدان النامية. ولو كانت تتمتع بفرص الحصول نفسها على الموارد الإنتاجية أسوة بالرجل، لكانت ساهمت بزيادة المحاصيل في مزارعها بنحو 20-30 %. وكان من الممكن أن يسهم هذا الأمر في زيادة إجمالي الإنتاج الزراعي في البلدان النامية ما بين 2.5 - 4 %، ما يؤدي بدوره إلى الحدّ من عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في العالم بنحو 12-17 %. (Mary Halton, 2018)
تعتمد المرأة بشكل كبير على الغابات والموارد الطبيعية أكثر من الرجل لتوفير سبل العيش.
حوالي 18 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية تنبع من الاستخدام المنزلي في البلدان النامية، وتسبب الكتلة الإحيائية وأفران الفحم للطهي - التي تبعث كميات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الملوثات- في وفاة نحو 2 مليون نسمة سنوياً. ويقع العبء الصحي لأفران الفحم هذه بصورة غير متناسبة على النساء والأطفال.
وتشير الإحصاءات الصادرة من أكثر من 33 % من الحكومات حول العالم إلى انتظام حصول المواطنين على المياه النظيفة. وتعتبر هذه المسألة نسائية في المقام الأول، باعتبار أن المرأة، وخاصة في المناطق الريفية، تقضي ساعات عديدة في جمع المياه (صحيفة وقائع لجنة وضع المرأة، 2014).
ونظراً للقدرات المحدودة على التكيف وغياب آليات التكيف المتاحة، تكافح النساء والفتيات من أجل تعزيز صمودهن في مواجهة تغير المناخ. ومع تفاقم الآثار الناجمة عن تغير المناخ، من المرجح أن تكبر الفجوة أكثر بين الجنسين. لا تعترف الجهود المبذولة حالياً والتي تهدف إلى معالجة قضايا تغير المناخ وقضايا الطاقة تماماً بهذه الأبعاد الجندرية (اختلاف النوع الاجتماعي). ونتيجة لذلك، لا تراعي أطر السياسات الوطنية والعالمية منظور الاختلاف النوعي بالقدر الكافي، كما أنها تفشل في توفير الحماية والفرص التي تحتاجها النساء والفتيات.
المشكلات التي تواجه النساء بسبب تغير المناخ:
المياه: في العديد من البلدان، تكون المرأة مسؤولة عن جمع المياه للأسرة.إذا كان هناك نقص في المياه بسبب الجفاف، فإنه يتعين على النساء السفر لمسافات أطول للعثور على الماء. مما يمثل زيادة في عبء العمل الملقى على المرأة والوقت المتاح لها لإنجاز مهام وأعمال أخرى. هناك أيضاً خطر ترك الفتيات الصغيرات للمدارس من أجل مساعدة أمهاتهن في البحث عن مصادر جديدة للمياه وجمع المياه.
الزراعة: في البلدان النامية، تعمل الكثير من النساء بالزراعة وتكون مسؤولة عن إنتاج الغذاء للأسرة. وعادة ما تعتمد النساء في أنشطتها الزراعية على الموارد الطبيعية بسبب عدم وجود أو توفر الموارد الاقتصادية، وبالتالي لا يمكن للنساء في مثل هذه الأماكن -على سبيل المثال- الاستثمار في نظم الري الحديثة التي تجعلهم يستفيدون أكثر من مياه الأمطار. الوصول إلى الموارد الطبيعية يتأثر بتغير المناخ، إذا فشل الحصاد أو تقلص بسبب تغير المناخ، ستكسب هؤلاء النساء مالاً أقل وسيحصلن أيضاً على طعام أقل لعائلاتهن. وهذا سوف يؤثر أيضاً على صحة النساء وعائلاتهن.
الأمراض والصحة: ارتفاع درجة الحرارة والفيضانات يمكن أن يكون لها تأثير على الصحة بصفة عامة، حيث يتوقع حدوث المزيد من الأمراض للأفراد وخصوصًا الصغار. وهذا سيؤثر على النساء لأنهن الراعي الرئيس لأفراد الأسرة، وبالتالي سوف تكرس المزيد من الوقت لهذه الرعاية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة أو زيادة كميات الأمطار إلى انتشار بعوض الملاريا بشكل أكبر، وتكون النساء الحوامل أكثر عرضة للإصابة. مثل هذه الظروف الصحية يمكن أن تؤثر بشكل سيء على فترات الحيض والصحة الذهنية للمرأة. تغير المناخ يمكن أن يسبب زيادة في الوفيات نتيجة الأمراض المرتبطة بالحرارة، وخاصة حساسية الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك، الممارسات الملوثة مثل حرائق الغابات وإلقاء المواد الكيميائية السامة في البحار أو الأنهار يسهم في تغير المناخ ولكن أيضاً يؤثر على صحة سكان المجتمع المحلي. بسبب تغير المناخ، يمكن أن يكون هناك نقص في المياه (النظيفة) التي يمكن أن يكون لها تأثير على النظافة الشخصية للنساء. عندما يكون هناك نقص في المياه، سيتم استخدام الماء أساساً للشرب والطهي. سيكون هناك مياه أقل أو مياه قديمة فقط متاحة للتنظيف والصرف الصحي، والأمر الذي يؤثر على الظروف المعيشة الصحية للأفراد، وهذا يمكن أن يزيد من خطر المرض. علاوة على ذلك، في أعقاب الكوارث الطبيعية، يكون هناك دائماً خطر أكبر لحدوث انتشار للأمراض، نتيجة لانخفاض النظافة العامة بسبب الظروف المعيشية السيئة.
الكوارث: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى مزيد من الطقس المتطرف والكوارث الطبيعية. وبصفة عامة، تكون الكوارث أكثر ضرراً على الإناث منها على الذكور. هناك عديد من الأسباب لذلك. منها، انخفاض الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة. فالنساء الفقيرات لا تستطيع اتخاذ تدابير وقائية ضد الكوارث الطبيعية. كما أن الدور التقليدي للنساء كراعيات يجعل من الصعب على النساء الهرب لأن عليهن أيضاً حماية الأطفال وكبار السن. وعلاوة على ذلك، تتأثر فرصهن في البقاء على قيد الحياة بالأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع، ومن أمثلة هذه الأدوار عدم تعلم النساء للسباحة، وضرورة حصول النساء على الأذن من أزواجهن أو عائلاتهن قبل مغادرة المنزل، أو أن الملابس التقليدية تقيد حركة وسرعة المرأة. ونظراً لنقص الموارد المالية للنساء الفقيرات في معظمهن، فإنهن يواجهن أيضاً صعوبة أكبر في استعادة حياتهن وإعادة أعمار منازلهن بعد الكارثة. إضافة إلى ذلك، في أعقاب الكوارث، هناك أيضاً خطر أعلى من العنف الجنسي ضد الفتيات والنساء.
أمام هذه التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية قد لا يكون هناك خيار أمام النساء سوى الهجرة. يمكن أن تحدث الهجرة عبر شكلين: إما أن يهاجر رجل الأسرة فقط أو تهاجر النساء مع أسرهن. هجرة الذكور فقط تؤدي إلى ضغوط إضافية على النساء. في حالة مغادرة الرجال، يتعين على النساء تولي مسؤوليات الرجال. وفي الوقت نفسه، لا يتمتعن بحقوق التملك نفسها والوصول إلى الموارد التي يحصل عليها الرجال، مما يخلق عبئًا إضافيًا على النساء. عندما تهاجر النساء مع أسرهن، يتعرضن لتهديدات وأخطار العنف.
بعض شواهد تأثر النساء بالتغيرات المناخية:
-تظهر الدراسات أن النساء أكثر عرضة من الرجال للتأثر بتغير المناخ. أكثر من 70 % من النازحين بسبب الفيضانات في باكستان في عام 2010 كانوا من النساء والأطفال. تشكل النساء نحو 80 % من لاجئي المناخ. يشكل النساء نحو 20 مليون شخص من أصل 26 مليون شخص يقدر أنهم نزحوا بسبب تغير المناخ (Mary Halton, 2018).
-أكثر من 70 % من الأشخاص الذين لقوا حتفهم في كارثة تسونامي الآسيوية عام 2004 كانوا من النساء. وبالمثل، فإن إعصار كاترينا، الذي ضرب ولاية نيو أورليانز (الولايات المتحدة الأمريكية) في عام 2005، كان يؤثر في الغالب على الأمريكيين الأفارقة الفقراء، وخاصة النساء. لا تملك النساء إمكانية وصول سهلة وملائمة إلى الأموال لتغطية الخسائر أو تقنيات التكيف المرتبطة بالطقس. كما يواجهون التمييز في الوصول إلى الأرض والخدمات المالية ورأس المال الاجتماعي والتكنولوجيا (UNDP, 2016).
-يموت 2 مليون امرأة وطفل سنوياً - أربعة في الدقيقة - قبل الأوان بسبب المرض الناجم عن تلوث الهواء الداخلي، وخاصة من الدخان الناتج أثناء الطهي بالوقود الصلب (خشب الأشجار ومخلفات الزراعة). (UNDP, 2016).
-بعد إعصار كاترينا في عام 2005، كانت النساء الأميركيات من أصل إفريقي من بين أسوأ المتضررين من الفيضانات في لويزيانا. تقول جاكلين ليت، أستاذة دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في جامعة روتجرز: «في نيو أورليانز، «كان هناك فقر كبير بين السكان من أصول إفريقية قبل إعصار كاترينا، وكانت أكثر من نصف الأسر الفقيرة في المدينة ترأسها وتعيلها أمهات عازبات (بدون زوج)، وكانوا يعتمدون على شبكات مجتمعية مترابطة من أجل بقائهم ومواردهم اليومية،. لقد أدى التشرد الذي حدث بعد إعصار كاترينا إلى تآكل تلك الشبكات بشكل أساسي. إنه يضع النساء وأطفالهن في خطر أكبر بكثير».
-في أعقاب كارثة تسونامي 2004، وجد تقرير لمنظمة أوكسفام أن عدد الناجين من الرجال يفوق عدد النساء بنسبة تقارب 3: 1 في سريلانكا وإندونيسيا والهند. وفي حين لم يكن هناك سبب واضح لذلك كانت هناك أنماط مماثلة في جميع أنحاء المنطقة. كان الرجال أكثر قدرة على السباحة، وفقدت النساء وقت الإجلاء مدخراتهن وأشيائهن الثمينة في محاولة رعاية الأطفال والأقارب الآخرين.
-استناداً إلى نتائج دراسة مدتها 20 سنة، فإن الأحداث الكارثية تقلل من متوسط العمر المتوقع للمرأة أكثر من الرجل؛ حيث تموت المزيد من النساء في سن أصغر. في البلدان التي تتمتع فيها المرأة بإمكانات اجتماعية واقتصادية أكبر، انخفض الفرق (Mary Halton, 2018).
-في عينة من 141 بلدًا خلال الفترة 1981- 2002، تبين أن الفروق بين الجنسين في الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة. في المجتمعات غير العادلة، يموت عدد أكبر من النساء عن الرجال بسبب الكارثة (Neumayer, 2007).
-من المرجح أن تكون وفيات النساء والأطفال 14 مرة أكثر من وفيات الرجال خلال الكارثة. وشكلت النساء 61 % من الوفيات الناجمة عن إعصار نرجس في ميانمار في عام 2008، وما بين 70 - 80 % من الوفيات نتيجة التسونامي في المحيط الهندي عام 2004، ونحو 91 % من الوفيات نتيجة إعصار 1991 في بنغلاديش (UNDP, 2013).
- إن النساء في الدول النامية غالباً ما يكن أكثر عرضة للمخاطر التي تطرحها التغيرات المناخية الحادة، لأنهن أقل حركية من الرجال وأقل استفادة من وسائل الاتصال التقليدية، كما أنهن أكثر عرضة للمخاطر المصاحبة لسوء التغذية والأمراض المنقولة عبر المياه. 90 % من ضحايا كوارث أعاصير بنجلاديش عام 1991 والتي أودت بحياة 140 ألف شخص، كن من النساء (خالد حسن، 2016).
-الفقراء معرضون بشكل أكبر لآثار تغير المناخ، غالبية الأشخاص الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم أو أقل (والمقدر عددهم بنحو 1.5 مليار نسمة) هم من النساء (UNFPA, 2009).
-قطاع الزراعة من أهم القطاعات التي عادة ما تتأثر بالتغيرات المناخية. ومن المعلوم أن الكثير من النساء في المجتمعات النامية يعملن في القطاع الزراعي مما ينعكس سلبًا على حياة أسرهن. نسبة العاملات في القطاع الزراعي تزيد عن 50 % في كل من السودان والمغرب و25 % في تونس. (خالد حسن، 2016).
-تشارك النساء في بلدان الجنوب النامية بشكل غير متناسب في زراعة الكفاف والوقود وجمع المياه. فمع الجفاف والفيضانات وغيرها من الأحداث المناخية المتقلبة، سيزداد العبء على المرأة التي تتحمل المسؤولية عن أسرتها في تلبية احتياجات المياه والغذاء. قدر الوقت الذي تقضيه النساء في جمع المياه حول العالم في عام 2012 بنحو 40 مليار ساعة. UNFPA, 2009)).
-أثناء وبعد الكوارث، غالباً ما ترتفع مستويات العنف الجنسي ضد الإناث. بعد أن ضرب إعصاران مداريان مقاطعة تاف في فانواتو في عام 2011، أبلغ مركز الاستشارة النسائية في تانا عن زيادة بنسبة 300 % في حالات العنف الأسري الجديدة. وقد وُجد أن الاتجار بالبشر يزيد بنسبة 20-30 % أثناء الكوارث. (UNEP, 2011).
-بعد الكوارث المناخية، عادة ما تعاني النساء من مشكلات صحية ونفسية بما في ذلك الصحة النفسية والاجتماعية الضعيفة، وزيادة التعرض للأمراض المنقولة عن طريق الحشرات والأمراض المعدية وغيرها من الآثار الصحية. ولا يؤثر هذا فقط على صحة النساء بشكل مباشر، بل يمتد ليؤثر على قدراتهن لرعاية المعالين وغيرهم من أفراد الأسرة المصابين والمرضى. (WB, 2012).
كيف تؤثر النساء على تغير المناخ:
إلى جانب الاختلاف في كيفية تأثر الرجال والنساء بتغير المناخ، فإن هناك أيضاً اختلافًا في مدى مساهمة كل منهم في الاحترار العالمي، وخاصة انبعاث غازات الاحتباس الحراري. يسود الاعتقاد بأن النساء لديها بصمة بيئية أقل بسبب الاختلافات في الاستهلاك. فعلى سبيل المثال، تقطع النساء مسافات أقصر في أنشطتها اليومية وتستخدم وسائل النقل العام وتستهلك طاقة أقل من الرجال.
في تقرير عام 2012 عن المرأة والبيئة من المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين (EIGE)، يرى أن الرجال والنساء قد يفكرون أيضاً بشكل مختلف عن حلول للاحترار العالمي. واستناداً إلى نتائج الدراسات الاستقصائية السكانية، فالنساء أكثر استعداداً لإجراء تغييرات في حياتهن الشخصية للحد من آثار تغير المناخ. النساء أيضاً أكثر استعداداً لشراء المنتجات الصديقة للبيئة ودفع سعر أعلى لهذه المنتجات. كما أنهم يحاولون اختيار ممارسات منخفضة الكربون. وفي المقابل، فإن الرجال قد يفضلون الحلول التقنية مثل السيارات الكهربائية. الرجال أكثر انفتاحاً على استخدام الطاقة النووية كمصدر بديل للطاقة، في حين أن معظم النساء لا يدعمن الطاقة النووية بسبب ارتفاع المخاطر. إضافة إلى ذلك، لا تحبذ النساء التدابير الضريبية مثل فرض ضرائب أعلى على الطاقة. ويمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن المرأة عادة ما يكون دخلها أقل من الرجل وبالتالي لديها أموال أقل للإنفاق على استهلاك الطاقة (EIGE, 2012).
بعض التجارب الناجحة للمرأة في قيادة التنمية المستدامة والحد من مخاطر التغيرات المناخية:
-جمعية وراني Waorani النسائية بمنطقة الأمازون الإكوادورية، وهي رابطة تشجع نساء المنطقة على زراعة الكاكاو العضوي كإجراء لحماية الحياة البرية وطريقًا للتنمية المحلية المستدامة. بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقوم الرابطة بإدارة أراضيها بشكل جماعي. وقد حققت إنجازًا كبيرًا في إطار حماية الغابات واقترب معدل إزالة الأشجار والغابات إلى مستوى الصفر. وهي أيضاً تساعد على حماية الحيوانات والطيور والأنواع المعرضة للخطر في الحياة البرية. وفي هذه العملية، تسهم النساء بدور كبير في بناء قدرة المجتمع من خلال استثمار الإيرادات من زراعة الكاكاو وإنتاج الشوكولاتة العضوية في تنمية المشاريع المحلية الخاصة بالصحة والبنية التحتية والتعليم وتوجيه الاقتصاد المحلي بنجاح بعيدًا عن اقتصاد إزالة الغابات وقطع الأشجار والاتجار بأخشابها وأسواق لحوم الطرائد عبر الصيد الجائر في الغابات (خالد حسن، 2016).
-هناك نموذج آخر وهو جمعية كووليل كاب Koolel-Kab وأعضاؤها من نساء الشعوب الأصلية بالمكسيك، التي بدأت تقود التنمية المستدامة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهي تقوم على مبادرة الزراعة العضوية وإدارة وحفظ أراضي الغابات، وتعزيز حقوق السكان الأصليين في الأرض، وتعتمد إستراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث على مستوى المجتمع المحلي. وقد نجحت الجمعية في إقامة مجتمع على مساحة 5 آلاف هكتار من أراضى الغابات يديره ويشغله المدافعون عن وقف إزالة الغابات، ويقدمون بدائل للزراعة التجارية. كما تشارك الجمعية أيضاً في مشروع نموذجي لتربية النحل العضوي في أكثر من 20 مجتمعاً قبلي وتوفر بديلاً اقتصاديًا لقطع الأشجار غير القانوني (خالد حسن، 2016).
-تمكين النساء على الخطوط الأمامية لمواجهة آثار التغير المناخي، عانت محلية الرهد، التي تقع شمال ولاية كردفان بالسودان مثل غيرها من الأقاليم الأخرى في منطقة الساحل الإفريقي من ارتفاع درجات الحرارة والتوزيع غير المتساوي والتقلب في مستوى هطول الأمطار والجفاف. وقد أثر هذا الوضع على سبل كسب عيش الرعاة والمزارعين مما دفع الرجال إلى الهجرة للعاصمة الخرطوم أو لغيرها من المدن بحثاً عن العمل. ومن الناحية الأخرى فإن النساء اللواتي كانت أدوارهن التقليدية تتمحور حول العناية بالأطفال وأداء الأعمال المنزلية، قد انتقلن إلى أداء دور من يعول الأسرة ومن خلال استئجار حقول للمواشي والمحاصيل صرن قادرات على بيع السلع في الأسواق وكسب دخل صغير.
-للمساعدة في معالجة آثار التغير المناخي تم تنفيذ برنامج مشترك يحمل اسم «تعزيز النهج المراعية للنوع الاجتماعي في إدارة الموارد الطبيعية من أجل السلام في شمال كردفان» بواسطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أمضى المشروع العامين الأولين من عمره في تدريب النساء على الزراعة وإدارة الموارد الطبيعية وفض النزاعات. بذل المشروع جهوداً في تدريب النساء على استخدام تقنيات الزراعة بالري المطري، وحصاد الصمغ العربي والذي يُعَدُّ من الصادرات الأساسية للمنطقة، والحصول على أرض من خلال الإدارة الأهلية، والحصول على بذور السمسم والذرة من وزارة الزراعة والحصول على سلفيات من مؤسسات مالية. كشفت دراسة أجريت عقب نهاية المشروع أن 87 % من النساء المشاركات تحدثن عن وجود زيادة في الدخل من المحاصيل التي قمن ببيعها في السوق وأن الزراعة في المناطق المحيطة بالمنازل أنتجت طعاماً يكفي لتلبية احتياجاتهن اليومية، كما أن المزارع التعاونية ضمت أيضاً نساء من المجموعات الرعوية والمجموعات الزراعية مما خلق وحدة اجتماعية أقوى وسهل من النقاشات الخاصة بإدارة الموارد الطبيعية. لقد تزايد عدد النساء المزارعات واللواتي يزاولن الأدوار التقليدية للذكور من جراء آثار التغير المناخي والتدهور البيئي. «إن النساء صرن يقفن في الخطوط الأمامية من التغير المناخي والنزاعات الناتجة عن التغير المناخي. أن التغير المناخي يقود إلى أحداث نقلات في أنماط كسب العيش تؤدي إلى هجرة الرجال بعيداً عن مجتمعاتهم للعثور على فرص عمل بديلة، أو تغيير أنماط الهجرة بطريقة تجعل النساء يبقين في مجتمعاتهن بدلاً عن السفر مع الرجال». سيليا هالي، منسقة البرنامج المشترك. ومن ناحية أخرى، فقد ساعد البرنامج بشكل غير مباشر في تخفيف النزاعات التي تنتج من جراء التغير المناخي. لقد تصاعدت درجة التوتر بين المزارعين والرعاة خلال السنوات الأخيرة حول الأراضي والموارد المحدودة ووفقاً لمركز الرهد للتوسط في النزاعات وبناء السلام فإن 9 نزاعات دموية قد وقعت خلال 10 أشهر (الفترة بين يوليو 2017 وأبريل 2018) مما تسبب في مقتل 24 شخصاً. وبسبب المحظورات الثقافية عانت النساء من الإقصاء والإبعاد من اجتماعات الجودية، ولكنهن الآن، مع بروز مجتمعات محلية يغلب عليها وجود النساء فقد صرن راعيات لأسرهن ومعيلات لها ومشاركات في الحكوماتالمحلية ولهن مكانة مرموقة. ومن خلال المشروع استطاعت النساء، ولأول مرة، قيادة المنتديات لتشجيع الحوار بين المزارعين والرعاة حول الموارد الطبيعية وكيفية إيجاد حلول لأكثر المشكلات البيئية إلحاحاً. وبعد نهاية المشروع أصبحن يشاركن بشكل منتظم وكجزء أساسي في كل مراحل التفاوض واجتماعات الجودية. وإضافة إلى ذلك فقد تم إنشاء هيئة مجتمعية جديدة لبناء السلام تسمى اللجنة الفرعية لإدارة الموارد الطبيعية التي تتشكل من 8 نساء و4 رجال ونتيجة لذلك فإن نسبة طاقات النساء المبذولة جعل المقارنة بين النساء والرجال تشهد تحولاً كبيراً مما جعل 100 % من أفراد المجتمع المحلي المشاركين في الدراسة يوافقون على أن للنساء دورًا مهمًا في حل النزاعات المتعلقة بالموارد الطبيعية. لقد أظهر المشروع بوضوح أنه في ظل التغير المناخي تُعَدُّ الموارد الطبيعية هي بوابة العبور القوية لاستيعاب النساء في عمليات بناء السلام وأن دمج النساء يمكن أن يقود إلى سلام مستدام. وعقب نهاية المشروع قامت النساء المحليات بمبادرة منهن بتحريك مجتمعاتهن والسلطات المحلية لزراعة 6 آلاف شجرة للمساعدة في مكافحة تدهور التربة. (UNEP, 2019).
التوصيات والسياسات المقترحة:
يهدف هذا الجزء إلى إلقاء الضوء على التوصيات والسياسات المقترحة لتحقيق المساواة بين الجنسين ومجابهة تغير المناخ وأهميتها بالنسبة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، هذا وتتمحور أغلب الآراء والمقترحات في هذا الشأن في ضرورة إدراج الأصوات والاحتياجات والخبرات النسائية في سياسات وبرامج تغير المناخ، ويوضح كيف أن المساهمات النسائية من شأنها تعزيز فعالية التدابير المتعلقة بتغير المناخ، إضافة إلى تعزيز التشريعات التي تراعي البعد النوعي (ذكور/ أناث) بشأن تغير المناخ والطاقة. وفيما يلي أهم التوصيات والسياسات:
-إجراء تحليل متعمق لأدوار المرأة والرجل في القطاعات التي تتأثر بتغير المناخ وإستراتيجياتهم للتعامل معها. تحسين فهم المعارف والأدوار والقدرات لدى الرجال والنساء سيوفر أساسًا متينًا للسياسات والبرامج الموضوعة للتصدي للآثار الناجمة عن تغير المناخ ومكافحتها (UNDP, 2013a).
-دمج البعد النوعي في برامج تغير المناخ من أجل التصدي بفعالية لاحتياجات وأولويات النساء والرجال، وضمان المشاركة الكاملة والهادفة للمرأة وتحقيق نتائج منصفة على أساس نوع الجنس. يجب أن تستند إجراءات تغير المناخ إلى التشاور مع النساء، وبناء مهاراتهن ومعارفهن وإدماجها، وتوفير الفرص لتحسين الصحة والتعليم وسبل العيش. ومن شأن زيادة مشاركة المرأة أن تؤدي إلى تحقيق المزيد من المكاسب البيئية والإنتاجية وأن تخلق منافع متبادلة وعوائد أكبر عبر الأهداف الإنمائية للألفية. وبالمثل، فإن زيادة مشاركة المرأة في جهود التكيف والتخفيف من شأنها أن تعزز فعالية هذه الجهود واستدامتها. وينبغي إدماج البعد النوعي وقضايا المرأة واحتياجاتها ومساهماتها في جميع مراحل دورة تخطيط وتنفيذ سياسات ومشاريع تغير المناخ. (خالد حسن، 2016).
-التأكد من أن جهود التخفيف والتكيف تعالج أيضاً مصادر الضعف القائم على النوع الاجتماعي وعدم المساواة بين الجنسين والفقر. إن القيود الاقتصادية والقانونية والاجتماعية الثقافية يمكن أن تحد من قدرات المرأة، وعليه فإن استجابات تغير المناخ تحتاج إلى معالجة مساوئ المرأة التاريخية والحالية. على كل البرامج والسياسات أن تعترف وتقر وتتضمن دور المرأة الرئيس في التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وإن تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين مفيدان لرفاه الأسرة والمجتمع وأسباب العيش وكذا لتعزيز مرونة الاقتصادات والمجتمعات. يجب أن تكون الإجراءات والتقنيات والإستراتيجيات مناصرة للفقراء وتستجيب للبعد النوعي في تصميمها وتنفيذها ورصدها وتقييمها. (UNDP, 2013a).
-إدراج البعد النوعي في إستراتيجيات وآليات التمويل الوطنية والدولية لمواجهة تغير المناخ. ينبغي وضع معايير قائمة على النوع الاجتماعي لتخصيص الأموال، بما في ذلك تحديد المشاريع وأهداف التصميم والأداء. النوع الاجتماعي يجب أن يلعب دوراً أساسياً في التمويل الكفء والفعال والشامل. يجب تطوير المشاريع والبرامج التي تراعي الفوارق بين الجنسين لجميع آليات تمويل تغير المناخ التي تدعم إجراءات التكيف والتخفيف على جميع المستويات. إضافة إلى ذلك، المساعدة في معالجة القيود التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعوق العديد من النساء وتقف حائلاً ضد تحقيق أهداف التنمية المستدامة. (UNDP, 2013a).
** **
- د. خالد السيد حسن