اعداد - عبدالله الخفاجي:
كلمات قالها عظماء، وتغنت بها أجمل الأصوات، فخلدت بطيات صفحات الذكريات الجميلة، وبين إبداع ريشة ولون، وتفرد فكر وجمال، نراها ونسمعها، كما لم نرها قبل.
من كلمات شعر خلدت في ذاكرتنا ورسخت كلماتها وغناها كبار الفنانين، استوحت الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي فكرة معرضها التشكيلي (خوالد) والذي تضمن سبع مجموعات ضمت كل مجموعة أبيات شعر من قصيدة ترجمتها بثلاث لوحات تشكيلية بما مجموعه 21 عملاً تشكيلياً.
افتتحت الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي معرضها الشخصي الأول في جاليري نايلا بمدينة الرياض بحضور شقيقها الأستاذ عسكر الحارثي رئيس مركز التنمية المستدامة في غرفة الرياض التجارية والدكتورة منال الرويشد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية والدكتورة هناء الشبلي مدير إدارة التخطيط بالجمعية السعودية للفنون التشكيلية ونخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والمهتمين ومنهم سفير العمل الإنساني الفنان فايز المالكي والإعلامي الكبير عبدالعزيز العيد.
بدأت الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي مسيرتها الفنية مبكراً وشاركت بمعارض عديدة وبأساليب مختلفة ومنها المعرض التشكيلي الأول للفنانات السعوديات في الرياض الذي أقيم عام 1998 وافتتحته الأميرة نوف بنت سلطان بن عبدالعزيز وضم 34 فنانة تشكيلية سعودية لأول مرة في مدينة الرياض. وآخرها معرض إشكالية إنسان عام 2009 لتغيب بعد ذلك عن المعارض والمشاركات لعدة سنوات وتذهلنا بعودتها بمعرض تشكيلي اختلف عن أي معرض آخر وبفكر مميز وإبداع متجدد.
تميزت الأعمال بخط عربي مختلف لا يتبع قواعد الخطوط وإنما يتموج بسلاسة على لحن تلك القصائد ليكون معزوفة بصرية جديدة أنغامها تعانق الألوان وتكتمل بها رواية بصرية تأخذ المتلقي لعمق تلك الكلمات ويقرأها بكل جوارحه كما لو أنه لم يقرأها أو يسمعها قبل.
ويرتبط هذا الإبداع بكون الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي مصممة وكاتبة ولصحيفة الجزيرة نصيب مما كتبت ورسمت فقد كان لها زاوية في الصفحة الأولى بالنصف الثاني من تسعينات القرن الماضي بعنوان (امرأة لا تحتمل) كما عملت كمصممة لصفحات عدد من المجلات وكتبت في زوايا وصفحات العديد من الصحف الأخرى بالشأن التشكيلي والاجتماعي.
وعن المعرض قال الدكتور فواز أبونيان عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود - التربية الفنية : (الفكرة التي سيطرت على هذا المعرض هي القصائد وكلماتها وصوت نغمها الشجي لذلك نجد تناغماً كبيراً بين الشكل واللون والخط بهذه اللوحات، غلب على الأعمال الجانب الهندسي البسيط الذي لا يحمل أي تعقيد أو تكلف مما جعل العين ترتاح بالنظر لها وتسهل الوصول للمتلقي، عائشة الحارثي أسست أسلوباً فنياً لم أره قبل طرحته بجرأة وبتميز حمل بساطة اللون وتناغم الكلمة مع العناصر الفنية).
وقال الفنان التشكيلي أحمد حسين : (الفن هو الخروج عن المألوف وبهذا المعرض خرجت الفنانة عائشة الحارثي عن النمط التقليدي للأعمال التشكيلية وطرحت فكرة جديدة وأسلوباً مميزاً مما يجعلها متفردة بأعمالها).
وقالت الدكتورة منال الرويشد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية : (هذا المعرض هو حدث فني نوعي وتظاهرة ثقافية من أجمل الإنتاج في الساحة الفنية في هذا الوقت، خوالد اسم مميز يرمز لكل المفردات الجمالية الخالدة من شعر وفن ومفردات تشكيلية، كما ربطت بهذا المعرض إبداع الفنان التشكيلي بإبداع الشاعر مع إبداع المغني لتظهر لنا صورة ثقافية جمالية مكتملة، أبدعت عائشة في اختيار خط وحروف خاصة بها ابتكرتها هي لتكون فن حروفي خاص بها، تكوين الأعمال جمع ذكاء المصمم مع مهارة المصور التشكيلي باختيار الألوان والمفردات والعناصر المكونة لهذا العمل، وهي من أوائل الفنانات التي ربطت النص البصري مع النص الكتابي منذ أن كانت تكتب في جريدة الجزيرة بزاويتها لمقالة وتربطها بعمل تشكيلي يعبر عنها.
جاء هذا المعرض في وقت مميز لتوجه الدولة وتوجه سيدي ولي العهد إلى اختيار الأعمال الفنية لتكون متواجدة في مكتبه وفي دوائر الدولة، وأعمال عائشة تستحق أن تكون في أبرز الأماكن والدوائر الحكومية).
وفي حديث معها قالت الدكتورة هناء الشبلي مديرة إدارة التخطيط بالجمعية السعودية للفنون التشكيلية: (عائشة الحارثي لم أعرفها كفنانة تشكيلية فقط بل عرفتها كصديقة مقربة استشيرها في كثير من أمور الحياة، ولأني درست معها ماجستير التصميم وأعرف مستوى الإبداع لديها فأني أثق برأيها كثيراً عند تقديم أي عمل تشكيلي.
وعندما عرضت لنا هذه التجربة الفنية بعد طول انتظار حصلنا على منظومة فنية ناجحة كونها جمعت بين مهارة الفنان التشكيلي والخبرة الأكاديمية للمصمم مع روح الشاعر التي تحملها داخل ذاتها تبلورت مع ذكرياتها ورحلتها بالحياة مع تفردها بامتلاك خط عربي خاص بها عرفناه منذ سنين كتوقيع مميز بها.
فكانت مجموعة أعمالها الفنية المعروضة أعمال جميلة وممتعة تعبر عن قصص خيالية مكتوبة بالكلمة واللحن واللون نستغرق فيها داخل أرواحنا لنستخرج ذكريات خالدة عشناها في مراحل مختلفة بالحياة، واعتقد أن هذه هي رسالة عائشة لنا).
وقال الفنان التشكيلي فهد العمار: (لا أعلم ما السر الذي جعلني أتطلع بلهفة لزيارة هذا المعرض ( خوالد ) للتشكيلية عائشة الحارثي.. فما أن وطأت قدمي صالة المعرض، تلاشت جميع الأركان وما تحويه من بشر وضوضاء، إلا من ألوانها وكلماتها وخطوطها، أبحرت بنا إلى أيامٍ خالدة في الذاكرة انتشينا من خلالها عبق الذكريات الجميلة واللحظات الهادئة، نتأمل (البرواز) الذي أحاط صورًا بدت تتراقص أمام عين الذاكرة بابتسامة خالجها الكثير من المشاعر.
وبعدها رست بنا الفنانة، فإذا بنا أمام حديث النفس مع النفس والبوح المباح إلى الروح في
(ثورة الشك )... ياااااه لشريط الكلمات! كيف
يُبسَطُ بعدما طُوِي ؟! أي ذراتِ غبارٍ نفضتها فرشاتك عن أرواحنا؟!
وبعدها أوحت إلى أسماعنا ذلك الصوت الذي (ينادي) يهمس في آذاننا (تذكر) لوحة حملت شريطًا طُبعت فيه ترددات صدى صوت رجع ليعزف لحنًا نتذكر نبراته وما نفيق من حلم تلك اللوحة حتى تعلقنا بأهداب (العواذل) تحيط بنا المُقل بنظراتها، فتغمضُ عينيك وتغيب بين عيون اللوحة وسرابها.
وفجأة.. فإذا بنا نفك قيود ( المسافة ) نعيش لحظات الصِّدام والصراع من أجل أن نكون هنا بالقرب، وليس بعيدًا وبرائحة الأمل بسطت لنا الفنانة ربيعَ الخزامى والنفل تداعبُ نسماتُه أرواحنَا الشفافة وتهز أوتار الحنين تمنيت ألا أفيق من عالم «خوالد» عائشة، فقد كانت رحلتي بين ألوانها وخطوطها وجميل ذكرياتها من أمتع ما عشته بين جنبات روح في لوحة).
خوالد من كلمات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد والشاعر الراحل طلال الرشيد جمعتها الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي لتخلدها مجدداً بفكر جديد وروح مميزة بريشة إبداع ولون ومشاعر وأحاسيس كثيرة تستوقفنا بين كل حرف وضربة لون ومفردات كثيرة تزيد من جمال معاني هذه الكلمات لتكون حقاً خوالد.
الفن هو إبداع من فكر مبدع يصنعه من ذاته ويغذيه بأحاسيسه ليصل للمتلقي بكل صدق وشفافية، دون تصنع أو تكلف. وهذا ما وجدناه بهذه التجربة الفنية الفريدة التي أطلت علينا من خلال معرض (خوالد).
** **
تويتر: AL_KHAFAJII