في تاريخ الصحافة السعودية كان للملاحق الثقافية أثرها وتأثيرها في المشهد الثقافي والحركة الأدبية، وفي التسعينيات الهجرية (70 ميلادي) انطلقت الأندية الأدبية وازدهرت الحركة الأدبية بمساندة قوية وتناغم مبهر مع الإعلام الثقافي، حيث كان ما يُثار على منابر الأندية من محاضرات وأمسيات شعرية وقصصية وندوات فكرية، يلقى صداه وأثره من خلال ما تطرحه الصفحات الثقافية والملاحق الأدبية من تعليقات وتغطيات متميزة ومثيرة، من أشهر هذه الملاحق: ما كانت تشتهر به صحف الجزيرة والرياض وعكاظ والمدينة والبلاد والندوة ومجلتا اليمامة وإقرأ «الصفحات الثقافية الجزيرة، ثقافة عكاظ، مربد اليوم، روافد البلاد، المدينة الأدبية، أربعاء المدينة، إبداع اليمامة، ملحق أدبي الندوة، ثقافة اليوم الرياض».
كانت تلك النوافذ الثقافية وهي في أوج عطائها، شكلت ثقافة الكثير ممن هم اليوم صُنّاع للثقافة ومحركو الإبداع عبر منصاته. كان هناك وهج ثقافي نتيجة طفرة ثقافية حدثت منذ منتصف السبعينيات الميلادية انعكس صداها على تلك الصفحات والملاحق بحيث أثرت وتأثرت بالحراك الثقافي، في معادلة كيميائية نتائجها كانت مبهرة، بحيث لا يمكن أن نقرر تحديداً من كان الأكثر تأثيراً على الآخر، الصحافة الثقافية أم الطفرة الثقافية؟ التي كانت ثمراتها أوسع وأشمل؟ وقد أنتجت تلك الفترة جيلاً من النقاد والمبدعين من شعراء وقصاصين وأدباء، وجيل من المتخصصين من صحافيي الشأن والهم الثقافي. لا يزال بريق تلك الأسماء يحتفظ بالوهج ويستأثر بالاهتمام، وقد خلدوا في تاريخ الصحافة الأدبية وهم لا يزالون يحتفظون بعطائهم من خلال ما تنشره لهم (الثقافية) وسهمون بها في صنع الحراك الثقافية والإجابة على أسئلة الثقافة الشائكة.
منذ انطلاقة المجلة الثقافية في ذي الحجة من عام 1423هـ لتكون امتداداً لتاريخ ملحق الجزيرة الثقافي العريق، والمجلة تشهد تطوراً له تميزه وزخمه المؤثر، وقد استطاع د. إبراهيم التركي وفريق عمله الذي يضم نخبة من الصحفيين الذين إضافة إلى تميزهم المهني، أنهم أصحاب خبرة وإبداع في عطائهم الصحفي الثقافي الذي أكسب المجلة مصداقيتها واستمراريتها وعطاءها الأدبي والثقافي والإعلامي المتميز.
في المقابل.. ونحن نحتفي بهذا النجاح الذي حققته المجلة الثقافية لنا أن نسأل سؤالاً مهماً:
لماذا أضاعت ثقافة صحافتنا العريقة وهجها القديم؟
كم هو مؤلم هذا السؤال في ظل التراجع الذي بدا واضحاً ويعكس واقعاً مؤلماً لما آل إليه حال الصحافة الأدبية في بعض صحفنا، تأثير تقنية الصحافة الجديدة زاد الأمر صعوبة، لذا علينا أن نتساءل بدورنا: هل سبب ذلك عدم اهتمام صحافتنا بالجانب الثقافي والأدبي في ظل متغيرات كثيرة من خلال سطوة بدت واضحة على اهتمام القارئ وما يتعلق بالثقافة الجادة؟ يُضاف إلى ذلك، أن الجانب الإداري بالصحف، يهتم بالنواحي الاقتصادية والمردود المادي، وهذا ما يجعلها تنظر لإفساح مساحات أوسع للمواد الإعلانية، ولن تكون هذه المساحات إلا على حساب صفحات الثقافة.
ومع ذلك لكي نجيب على هذا السؤال ونرد به على هذه الحجة صعوبة، ما حققته (المجلة الثقافية) لـ«الجزيرة» من وهج ونجاح وتميز نفخر به ونعتز.
** **
- محمد علي قدس