د. أشجان هندي
تحت هذا العنوان، اخترت في هذه الوقفة الاستضاءة بتجربة شخصية محايدة جدًا في تعاملي مع (الثقافية) التي تحتفي اليوم بعددها المئوي السابع ودخولها عامها العشرين. وتعود بدايات كتابتي فيها إلى سنوات بعيدة من خلال زاوية استمرت لفترة من الزمن، وكانت بعنوان (ماء الملام) وقد حوت مقالات منوّعة، ومما أذكره من عناوينها: (لنا أسودُنا ولكم أخضرُكم)، و(بين الشراكة والشراسة الثقافية)، و(المثاليّون مملّون!)، وغيرها، بالإضافة إلى نشر القصائد الشعرية والدراسات المتفرقة.
وفي كل مرة كانت الثقافية تستقبل ما أرسله بحفاوة، وتجود بطريقة أنيقة في التعامل مع المواد المُرسَلة دون استثناء. وللحق فإن الرقيّ في التعامل مع النصوص الأدبية ومؤلّفيها من قِبل الثقافية مُمثّلة بمدير تحريرها الدكتور إبراهيم التركي وجميع العاملين فيها يُعد من السّمات التي تُلفت من يتعامل معها للمرة الأولى، ثم لا ينتهي به المطاف إلا وهو يشعر أنه (في بيته) حقًا، ولعلّ هذا ممّا دفعني لقول هذه العبارة حرفيًا وأكثر من مرة. وإلى يومنا هذا وبالرغم من انقطاعي الطويل عن النشر الصحفي (بصفة عامة) لفترة طويلة ها أنا اليوم أعود للنشر في الثقافية (بمجموعة نصوص) نُشرت في العدد الماضي، وكأني لم أبرحها يومًا: ذات الحفاوة والترحيب، وذات الجُود والجودة في التعامل مع النصوص، وذات الاهتمام والعناية باستقبالها وترتيبها وصفّها وإظهارها على الورق وفي الفضاء الإلكتروني. علمًا بأن (الثقافية) من السّباقين الذين وَعوا أهمية التحوّل إلى الرقمي بصفته لغة الحاضر والمستقبل، مع الاحتفاظ بنسختها الورقية الملونة الزاهية.
الثقافية امتداد الوفاء النبيل يترجمه التواصل المستمر مع الأدباء والمفكرين والمثقفين بمختلف مشاربهم إمّا للاحتفاء بهم أحياء على صفحاتها، أو بذكراهم بعدما يرحلون. وبذات الود والوعي الثقافي يستمر تواصلها مع من كتبوا فيها يومًا حتى إن توقفوا عن الكتابة؛ وهذا ما حدث معي في فترة التوقف التي أشرت إليها أعلاه؛ حيث لم ينقطع كرم الدعوات المتكررة بنبل للعودة إلى الكتابة والنشر. ويقيني أن (الجزيرة الثقافية) قد أكّدت بالسلوك الثقافي الراقي الذي تنتهجه حقيقةَ أن (الثقافة سلوك)، وكسبت من جانب آخر وفاء كتّابها الذين لم يغادروها مذ وطأت حروفهم صفحاتها إلى اليوم، وهم في ازدياد.
ختامًا، لن تكفي هذه الوقفة السريعة لسرد تجربتي الطويلة مع (الثقافية)، ولكن حسبي أني ألوّح لها اليوم وفاء وامتنانًا وتقديرًا في هذا العدد الخاص، مُتمنيّة لها العمر المديد والمزيد من التألق والتطوّر والازدهار.
** **
- أستاذ الأدب والنقد العربي الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز