من الظواهر الجلية في مؤلفات ابن خالويه) ت370هـ) المطبوعة كثرة المستلَّات، والمستلَّات لها عدة معانٍ، والمعنى الذي أقصده هنا هو استلال جزء من كتاب وتحقيقه ونشره منفردًا، وأول من بدأ ذلك مع مؤلفات ابن خالويه هو المستشرق برجستراسر؛ حيث استلَّ حواشي كتاب البديع الذي يتحدث عن شواذ القراءات وحقَّقها عملا مستقلا باسم «مختصر في الشواذ»، ثم أكثر الدكتور محمود جاسم الدرويش من الاستلال من كتاب «ليس».
وكنت أستنكر تحقيق المستلات بدايةً تأثرًا برأي الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله، ثم استحسنته لما له من فوائد وقفت عليها، ومن الكتب المستلَّة في تراث ابن خالويه:
1- «انتصار ابن خالويه لفصيح ثعلب»، ذكره ابن ناقيا البغدادي (ت485هـ) منجَّمًا في شرحه، والسيوطي (ت911هـ) مجمَّعًا في كتابه «الأشباه والنظائر» بعد إيراد مآخذ الزَّجَّاج مباشرة وله الفضل في حفظه من الضياع، وقد حققته ونشر في معهد المخطوطات العربية، ثم وقفت على نسخة خطية منه معها خطأ فصيح ثعلب، برواية وخط ابن طولون الصالحي (ت953هـ) وأعدت التحقيق عليها، وهو قيد النشر بإذن الله تعالى.
2- «أسماء الأسد»، حققه محمود جاسم درويش في مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد 36، الجزء 2، 1985م، (ص216-239)، ثم نشره في مؤسسة الرسالة، ط2، 1989م، وهو مستل من مخطوطة الجزء الخامس من كتاب ليس في كلام العرب.
3- الأيام والشهور، أو الأزمنة، أو اشتقاق الشهور والأيام: ولابن خالويه ثلاثة كتب -هكذا يبدو لي- في فن الأيام والشهور والليالي، أولهما: «اشتقاق الشهور والأيام»، ذكرته عدة مصادر، وأشارت إلى أنه طبع قديمًا مائة نسخة لقطعة من الجزء الأول منه في تسع وتسعين صفحة، وقد بحثت عنها كثيرًا ولم أعثر عليها. وقد سمَّاه ابن خالويه في شرح الفصيح باسم الأزمنة، وذكر أن فيه اشتقاق شوَّال وشعبان.
والثاني: الأيام والشهور، وأورد كتاب «تذكرة النحاة» لأبي حيَّان الغِرناطي (ت745هـ)، مختصرًا لهذا الكتاب في أربع صفحات؛ (589-592)؛ حيث قال في أوله: «هذا مختصر في الأيام والشهور مما رواه الحسين بن خَالَوَيْه...». ثم قال في آخره: «... نجز هذا المختصر في الأيام والشهور من كتاب سِفْر السعادة وسفير الإفادة لأبي الحَسَن السَّخَاوي». فذهبت لكتاب «سِفْر السَّعَادة وسَفِيْر الإفادة» لعَلَم الدين أبي الحسن علي بن محمد السَّخَاوي (ت642هـ) ، فلم أجد فيه مختصر كتاب ابن خالويه المذكور، فلعله سقط منه، ولعل هذا الكتاب مفقود منذ زمن بدليل عدم وقوف أبي حيان عليه وعدم قدرته على النقل منه مباشرة، وقد استللت مختصر الأيام والشهور من تذكرة أبي حيان وحققته ودرسته ونشرته .
والكتاب الثالث هو كتاب»أسماء ساعات الليل»، وفيه مائة وخمسة وثلاثون اسمًا ولا نعلم عنه شيئًا.
4- بحور الشعر العربي والأوزان اللغوية والنحوية، تحقيق محمود جاسم درويش، دار الكتاب العربي، ط2، ولعله مستل من كتابه ليس في كلام العرب فإني لم أطلع عليه.
5- تفسير حروف تُشْكِلُ من نونية عدي بن زيد العِبادي: وهو مستلٌّ من شرحه لمقصورة ابن دريد، فقد فرَّق ابن خَالَوَيْه (ت370هـ) الحديث عن قصة جَذِيْمَةَ الأَبْرَشِ، والزَّبَّاء، في ثلاثة مواضع من كتابه «شرح مقصورة ابن دريد»، الأول في (ص200)، وتحدث فيه عن قصة الزَّبَّاء وجَذِيْمة، ومناسبة ذلك شرح بيت ابن دُرَيْد (ت321هـ):
واخْتَرَمَ الوَضَّاحَ مِنْ دُوْنِ الَّتي
أَمَّلَهَا سَيْفُ الحِمَامِ المُنْتَضَى
فأورد قصَّتهما واستشهد ببيت عَدِيِّ بن زَيد العِبَادي:
فقدَّمتِ الأَدِيْمَ لِرَاهِشَيْهِ
وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا
وفي الموضع الثاني (ص424) أثناء شرحه بيت ابن دُرَيْد (ت321هـ):
واللَّومُ للحُرِّ مُقِيْمٌ رَادِعٌ
وَالعَبْدُ لا يَرْدَعُهُ إلا العَصَا
حيث استطرد في الحديث عن كلمة «العصا» ومعانيها، ثم ذكر فرس جَذِيْمَة (العَصَا)، ثم أورد قصيدة عدي بن زيد العبادي كاملة، ثم أتبعها بعنوان قال فيه: تفسير حروف تُشْكِلُ من هذه القصيدة.
وصرَّح برغبته في جمع شتات حديثه، فقد قال في الموضع الثاني (ص424): «وذكر عدي في هذه القصيدة خبر الزَّبَّاء فما غادر حرفًا مما كان بينها وبين جَذِيمةَ الأَبْرَشِ، وقد أثبتُّها في هذا الموضع ليلحق بالبيت المتقدم ذكره في خبر الزَّبَّاء». فشرعت في تحقيق رغبته رحمه الله، وجمع هذه المتفرقات الثلاثة: خبر جَذِيْمةَ والزَّبَّاء، وقصيدة عديِّ بن زيدٍ العِبادي، وتفسير غريبها في بحث وهو تحت النشر محكَّمًا بإذن الله تعالى.
6- شرح غريب رسالة في وصف ديك لأبي القاسم الهُبيري: فقد أوعز ابن خالويه لصديقه أبي القاسم الهبيري أن يؤلف رسالة في وصف ديك تتضمن كثيرًا من ألفاظ الغريب ويرسلها إلى عامله ليحضر له هذا الديك، وأورد ابن خالويه هذه الرسالة في أمالي ه مع شرح غريبها، وقمت باستلالها من بغية الطلب لابن العديم وحققتها ودرستها تحت عنوان «وصف ديك لأبي القاسم الهبيري وشرح غريبه لابن خالويه»، وقد نشرت في معهد المخطوطات.
7- «غرائب خلق الإنسان»، نشره محمود جاسم درويش، في مجلة المورد العراقية، المجلد 18، العدد2، غرة أبريل 1989م، (ص142-151)، وهو مستل من مخطوطة الجزء الخامس من كتاب «ليس في كلام العرب».
8- «مختصر في شواذ القرآن»:= حواشي البديع في القراءات، وهو مستل من حواشي كتاب البديع وحقق ونشر كتابًا مفردًا، نشره أوتوبرتزل سنة 1933م، ونشر بتحقيق برجستراسر وآرثر جفري، فسبادن، جمعية المستشرقين الألمانية، وأعادت طبعه المطبعة الرحمانية بمصر، عام 1934م، وأعيد نشره عن هذه الطبعة عدة مرات بعد ذلك في دار الوراق 2012، ودار الكندي وعالم الكتب في بيروت، وحققه إبراهيم بسيوني البسيوني الصعيدي، ضمن دراسته «القضايا اللغوية عند ابن خالويه مع تحقيق ودراسة كتابه مختصر في شواذ القراءات من كتاب البديع»، رسالة دكتوراه بجامعة الأزهر، 1994م، وأعاد تحقيقه تحت عنوان «القراءات الشاذة لابن خالويه»، محمد عيد الشعباني، دار الصحابة للتراث بطنطا، ط1، 2008م،
وكُتب عليه من البحوث:
أ- مقال «القراءات الشاذة عن ابن خالويه وابن جني ومكي ابن أبي طالب»، إعداد أحمد محمد سمير، جامعة المدينة العالمية، شاه علم – ماليزيا.
ب- رسالة دكتوراه «كتاب مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه دراسة نحوية وصرفية دلالية»، محمد سيد نصر الدين، جامعة جنوب الوادي، كلية الآداب بقنا، 1998م.
ج- رسالة ماجستير بعنوان «التوجيه الصوتي للقراءات الشاذة في كتاب مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه»، عثمان مزلوه الدراوشة، جامعة مؤتة، 2006م.
د- بحث «قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من كتاب مختصر في شواذ القراءات لابن خالويه»، أحمد محمد أحمد السلامة، مجلة سر من رأى، المجلد 8، العدد 28، السنة الثامنة، كانون الثاني 2012م، (ص54-92).
ه- بحث» الصيغة الاسمية في كتاب القراءات الشاذة لابن خالويه، علي عبد الوهاب الوردي، مجلة الأستاذ، العراق، ع220، 2017م، (ص165-182).
9- مسألة المحراب: وهي رسالة صغيرة يحكي فيها ابن خالويه رده على مسألة نحوية في باب الحكاية، سأله عنها سيف الدولة الحمداني، إثر اختلاف الفضلاء بعد صلاة جمعة في عبارة نطق بها الخطيب، فحكَّم ابنَ خالويه فيها، وقد حفظ لنا هذه المسألة ابن العديم(ت660هـ) في «تذكرته»، وقد نقلها من خط أبي الحسن محمد بن مَعْقِل الأَزْدِيِّ، الذي كتبها من إملاء ابن خالويه؛ مما يعني أن هذه المسألة كانت ضمن أمالي ابن خالويه (ت370هـ) المفقودة، ويؤكد هذا أن القِفْطي قال في الإنباه عن محتويات أمالي ابن خالويه: «أودعه المؤلف خواطره ونوادر وما يقرأ أو يسمع من الشيوخ، وما يكاتَب به أو يكاتِب من الرسائل العلمية».
وظلت هذه المسألة حبيسة تذكرة ابن العديم وظلت تذكرة ابن العديم مخطوطة حتى عام 2010م، وأول من بعث هذه المسألة من مرقدها هو العلامة طاهر الجزائري (ت1920م) في كُنَّاشِه الذي وصل لنا بخطه، ونشرتها عن هذا الكُنَّاش المجلة السلفية عام 1917م ، وحُبِسَت مرة أخرى حتى أعيد بعثها مع بعث تذكرة ابن العديم على يد المحقق إبراهيم صالح عام 2010م، وقد عرَّفني بها الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان -حفظه الله- لمَّا علم اشتغالي بآثار ابن خالويه أرسل لي صورة المجلة السلفية مشكوراً، ثم وقفت عليها في تذكرة ابن العديم، وقد حققتها ونشرتها.
** **
د. محمد علي عطا - رئيس قسم اللغة العربية وعلومها - جامعة باشن العالمية المفتوحة بأمريكا
MA.ATA.2020@GMAIL.COM