رمضان جريدي العنزي
لقد عرف البدو بالكرم و(تقليط) الذبيحة السمينة ذات الشحم البائن إكراماً للضيف وتقديراً له، وهي عادات حميدة ما زالت قائمة ويعمل بها حتى الآن، قال الشاعر:
ان جيت يا خاطر عسى الله يحييك
على الشحم ومبهرات الدلالي
عند الرفيق اللي يعزك ويغليك
حيثك ولد عود عزيز وغالي
لكنها في الآونة الأخيرة حورت وحولت لمعنى آخر بحيث تعني أصمت أو أسكت، وتستخدم لإنهاء النقاش واحتدام الكلام أو لعدم الإسهاب في إفشاء الأسرار وفضح المستور، يقابلها كلمة (أهجد) بمعنى (نم) حتى لا تلغو في الكلام الذي ليس فيه مردود محمود، هناك من يثرثر في المجالس بلا أدنى فائدة، يسهب في الكلام ويطنب دون نتيجة، وربما يهمز ويلمز وينم لغاية دنيئة في نفسه، أن الصمت في كثير من الأحيان صفة حميدة، فكل قول محسوب على المرء أو محسوب عليه، والإنسان العاقل الحصيف يمتنع عن الكثير من الكلام لأنه يعلم بأن كلام المرء سلاح ذو حدين، إما له وإما عليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ، وقال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ، إن للسان مخاطر وخطايا وذنوب وشرور، أن كلمة واحدة قد ترفعك وقد تدنيك، أن الكلمة أسيرة الرجل فإن تكلم بها صار في وثاقها، قال قس بن ساعدة وهو أحد حكماء العرب ومن كبار خطباء الجاهلية وكان اسقف نجران: سُئل أحدهم كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصر، وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها. قال: وما هي؟: قال: حفظ اللسان، قال الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
إن للصمت في كثير من الأحيان فضل ومنزله، فليحفظ الإنسان لسانه، ويزن كلامه، ويعي قوله ومنطقه، فما كان فيه خير فليتكلم به، وما كان فيه شر فليسكت عنه و(يعض على شحم).