د. منى بنت علي الحمود
يصادف اليوم 18 نوفمبر 2012م الذكرى الثالثة لليوم العالمي للفن الإسلامي، حيث يحتفل العالم سنويًا بهذا اليوم منذ إعلان المؤتمر العام لليونسكو في دورته الأربعين المنعقدة في عام 2019م أن يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام يوم دولي للفن الإسلامي. وتتمثل الرسالة من هذا اليوم الدولي حسب اليونسكو في التوعية والتعريف بأشكال التعبير الفني الإسلامي القديمة والمعاصرة، فضلاً عن إذكاء الوعي بإسهام الفن الإسلامي في صون ونشر حضارة البشرية.. وكان من نص رسالة المديرة العامة لليونسكو، السيدة أودري أزولاي: «نحيي هذا العام أول احتفال باليوم الدولي للفن الإسلامي، الذي أُعلن بغية الاحتفاء جماعة بالتراث الإسلامي الرائع الذي تشكل عبر أربعة عشر قرنًا من الزمن، والذي لا ينفك يتجدد، ويتحول، ويؤثر، في شتى ثقافات العالم بأسره».
للفن الإسلامية فلسفته الخاصة والتي تميزت بصبغتها العقدية التوحيدية وجعلته متفردًا عن غيره من فنون الحضارات الأخرى؛ الأمر الذي جعله ولقرون عديدة يبقى مقصورًا على الزخرفة، والتي بذل فيها الفنان المسلم جهده في تجميل دور العبادة اعتقادًا منه بقداستها وإيمانًا منه بخدمة عقيدته وبعيدًا عن التصوير، مبرزًا مهارته في ملء الفراغات والمساحات (الرقش) كما تملأ عقيدته فكره وقلبه.
أما أماكن إقامة الخلفاء والزعماء فتكون عادة مزينة برسوم تمثل وجوهًا بشرية أو حيوانية مرسومة أو بالفسيفساء وبأقمشة أو آنية خزفية، كما ظهرت المنمنمات الفارسية والمغولية والكثير من الرسوم التي كانت تزين القصص والكتب التاريخية والعلمية والمخطوطات.
ومع ذلك كان الفنانون يجانبون التشبه بالحقيقة من خلال التجريد أو التحوير والتسطيح والرسم الخرافي أيضًا.. ومع ظهور الفنون الإسلامية بهذا الطراز ساد اعتقاد بأن ظهور الفن الإسلامي قد يكون مؤذنًا بنهاية تاريخ الفنون، غير أنه آذن ببزوغ فجر عصر جديد للفنون له شخصيته المتفردة.. من جانب آخر الفن الإسلامي لا يجسد مواضيع إسلامية كالفنون المسيحية والبوذية، مثلاً، وإنما هو تمثيل للوجود من زاوية فلسفية إسلامية والنظر لهذا الوجود بأسلوب فني.
كان لامتداد رقعة العالم الإسلامي دور رئيس في تلاقح العديد من الحضارات، وتكوين مجتمع فسيفسائي قائم على التعايش لا الاندماج أو الانصهار، ومن العناصر التي حافظت على هوياتها الثقافية الفنون والتي اجتمعت في بوتقة واحدة ولكن بنكهات متعددة ثقافيًا، حيث كان هذا الفن قائمًا على أسس فنون البلاد التي وصل إليها الإسلام، غير أن هناك روحًا مشتركة تخطت حدود المكان والزمان جعلت الفن الإسلامي يحمل طابعًا يكاد يكون موحدًا، فهناك أواصر قوية بين وعاء مزخرف في بلاد فارس وسقف في المسجد الحرام أو كتابة على ستار الكعبة المشرفة وقبة مسجد في مصر أو العراق..
تتميز الفنون الإسلامية بألوانها الصريحة كالذهبي والأخضر والتي تستخدم بكثرة، واستخدام القيم الملمسية من خلال تنوع الأسطح التي تزخرف بها، إلى جانب الإيقاع الذي يتحقق من خلال التماثل والتناظر والتكرار واستخدام الخطوط بأنواعها.
كانت بداية الفنون الإسلامية بفن الكتابة وخاصة كتابة القرآن الكريم بالخط الكوفي والنسخ والثلث وغيرها، ومن ثم بدأ استخدام الزخارف الهندسية والمستوحاة من تحوير أوراق الأشجار وتجريدها مما يدل على مدى الاهتمام بالعلوم الهندسي لاسيما في العصر العباسي، فبدأ التحول من العناصر الهندسية البسيطة إلى المركبة والمعقدة والمتشابكة الزوايا لابتكار أشكال جديدة كالشكل النجمي، ومن ثم تطورت هذه الزخارف إلى النباتية «الأرابيسك» أو «التوريق» حيث اتجهت أنظار الفنان المسلم إلى الطبيعة دون محاكاة، وتعود الزخارف النباتية إلى الفن الإغريقي، كما برزت الزخارف الحيوانية في العصر الفاطمي والتي كانت توضع في نطاق هندسي، ووصلت الزخارف أوجها في العصر المملوكي.
كان الخط العربي علامة فارقة ميزت الفن الإسلامي عن غيره من فنون الحضارات الأخرى، فللخط العربي قيمة فنية كبيرة وقواعد خاصة أعطته تفرده.. الخط العربي هو تصميم فني يستخدم الحروف العربية، وتتميز تصميماته بالليونة والترابط والتداخل والتراكب لتكوين الشكل النهائي. كما يعتمد فن الخط العربي على التناسب والتكرار أسوة بالزخارف الإسلامية. وقد تألقت فنون الحكمة والدين والأدب في طيات الخط العربي.
كانت أنواع الخطوط تنسب إلى مراكزها الجغرافية كالخط الكوفي بأنواعه (غير المنقوط، المنقوط، المورق، الهندسي)، والخط الفارسي نسبة لبلاد فارس، كما أن هناك أنواعًا من الخطوط تخضع لطريقة الرسم كالثلث أو سميت للهدف من استخدامها كخط النسخ والذي استخدم لنسخ القرآن الكريم لسرعة الكتابة به، وغيرها من الأنواع كخط الرقعة والديواني والجلي والريحاني.. وقد استخدم الخط العربي بأنواعه محفورًا أو بارزًا أو مرسومًا بالألوان لزخرفة العديد من المساحات أولها الآيات القرآنية ودور العبادة، كذلك الأواني والمنسوجات وقطع الأثاث والقطع النقدية.
وقد ظهر اهتمام المملكة العربية السعودية بالخط العربي من خلال تنظيم العديد من المعارض والمسابقات للخط العربي.. كما أعلنت وزارة الثقافة عن إطلاق أول منصة إلكترونية لتعليم الخط العربي والزخرفة الإسلامية بدعم من برنامج جودة وفقًا لرؤية المملكة 2030م، وذلك تحت عنوان «منصة الخطاط»، وبإشراف نخبة من الخطاطين المحترفين في المملكة والعالم العربي والذين سيقدمون من خلالها أساسيات الخط العربي وفنونه وأساليبه عبر دورات تدريبية ومشاريع وورش عمل احترافية. ويأتي دعم وزارة الثقافة لهذه المنصة في سياق احتفائها بالخط العربي وبتاريخه ورموزه، وتحت مظلة «عام الخط العربي» الذي يحتوي على أنشطة وفعاليات متنوعة ستقدمها الوزارة خلال عامي 2020- 2021م.
وتأتي هذه الجهود في سبيل تعزيز الثقافة العربية لما تختص به من عمق حضاري وتاريخي. وقد برز العديد من فناني الخط العربي على مستوى العالم العربي والمحلي، وكان من أبرز الخطاطين في المملكة: «عبد الرحيم أمين بخاري» خطاط كسوة الكعبة المشرفة، «ناصر عبد العزيز الميمون» الملقب بعميد الخطاطين، «عبد الرزاق خوجة» أول من خط العملة الورقية، «عثمان بن عبده طه» خطاط المصحف الشريف بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
وأخيرًا: لم يعد الخط العربي مجرد أداة للتدوين والكتابة فحسب، بل أصبح من أهم الفنون التي تتألق في سماء الحضارات العربية والإسلامية إلى يومنا هذا.