يعد الإسهام في تعميم الوعي بمتطلبات السلامة العامة أحد أهم أولويات الحكومات لا سيما في وقتنا الحالي خاصة مع تزايد فرص تعرض الأفراد والمجتمعات للمخاطر المستجدة المختلفة. فعالمنا يشهد مواكبة تغيرات وأحداث متسارعة مناخية واقتصادية وسياسية كلها ذات آثار سلبية مدمرة في معظم الأحيان. ولذلك يشكل نشر وتعميم ثقافة السلامة الوقائية إستراتيجية فعالة ضمن المنهج الوقائي الاستباقي لإدارة المخاطر والذي هو حجر الأساس لحماية الأفراد واستدامة الأصول العامة والممتلكات.
فثقافة السلامة تعبر عن «مزيج من القيم والمعايير وقواعد السلوك المقبول في التعامل مع المخاطر بيئات العمل المختلفة وصولاً إلى قواعد السلوك العامة الواجب اتباعها كمنهج حياة». والتي تسهم في حفظ الأرواح وتقليل فرص الآثار السلبية للأخطار الطبيعية أو الحوادث الناجمة عن الخطأ البشرى. ولذلك يجب أن تكون ثقافة الصحة والسلامة الوقائية متأصلة في أفكار وأفعال الجميع ويجب أن تصبح معاييرها وقواعدها نهجًا يتبع وجزءًا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع.
ولقد أضحت المنصات الإعلامية قوة كبيرة ومسيطرة أحيانًا -في وقتنا الحالي- على المصادر المعلوماتية المختلفة التي يعتمد عليها أفراد المجتمع ونخبته في زيادة وعيه وتشكيل ثقافته. وأصبحت هذه المنصات بكل أشكالها المرئية منها والمسموعة والمقروءة السمة المميزة لهذا العصر، وأصبح تأثيرها في حياة المجتمعات كبيرًا. وبذلك يمكننا اعتبارها وسيلة مهمة لتقديم ونشر الحقائق الصحية ومعايير وقواعد السلامة العامة بحيث تصبح ثقافة عامة تنعكس في سلوكيات الأفراد والمجتمعات اليومية، وبذلك نحقق النتيجة الإيجابية وهي السير نحو مجتمع آمن ذو وعي وقائي عالٍ وسليم.
ومن المعروف أن البيئة التعليمية بكل مستوياتها تعتبر عاملاً رئيسًا في بناء الفرد وتكوينه منذ نعومة أظافره وتنمية وعيه تجاه الحقائق المختلفة، وكذلك وسيلة من وسائل نشر العلوم والمعرفة. وباعتبارها أداة مؤثرة في استحداث وتغيير السلوكيات الفردية - الخاطئة منها لتصحيحها وتعزيز الصحيحة منها -، وجب استثمار البيئة التعليمية ومنصاتها سواء الحضورية كانت أم إلكترونية وتعزيز دورها في نشر ثقافة السلامة ورفع مستوى وعي النشء بمبادئ الصحة والسلامة الوقائية وتعليمات الوقاية من آثار المخاطر المختلفة، لتصبح قناعات تغرس وجزءًا من ثقافة جيل الغد وبناة المستقبل.
ومن هنا يأتي أهمية الحديث عن دور الإعلام التربوي واستغلال المنصات التعليمية والقنوات الإعلامية المختلفة في تفعيل الأنشطة والمناسبات المحلية والعالمية المتصلة بمجال السلامة والأمن الوقائي من المخاطر المختلفة وتعزيز إتاحة فرصة تكافؤ الحصول على المعلومة، وخاصة أنها تستطيع الوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع. وتفعيل الحملات الإعلامية والبرامج التلفزيونية التوعوية والنشرات الثقافية بما يخص المجال الوقائي أهمية بالغة في زيادة رصيد الأفراد والمجتمعات من هذه القيم والسلوكيات الآمنة.
ويجدر بنا الإشارة هنا إلى أنّ المناهج في بلادنا الحبيبة شهدت تطورًا كبيرًا وساهمت في تعزيز الكثير من المفاهيم المتعلقة بحماية البيئة والسلامة الغذائية والصحية. وأنه قد حان الوقت إلى إدراج مبادئ السلامة الوقائية من المخاطر المختلفة وطرق الإسعافات الأولية ضمن مناهج التعليم لجميع المراحل الدراسية والجامعية كإستراتيجية أولية تهدف لرفع مستوى الجاهزية وتعزيز مرونة المجتمع في مواجهة مخاطر وآثار الكوارث والأزمات سواء الطبيعية أو تلك التي هي من صنع الإنسان.
ومن هنا، نشيد بالمجتمع التعليمي وشركائه في اعتبار هذه المسألة أولوية قصوى شأنها شأن أولوية تعليم النشء المعارف والعلوم المختلفة، فقواعد ومبادئ السلامة الوقائية هي علوم تطبيقية سلوكية لحماية الأرواح وتقليل الآثار السلبية الناتجة عن التعرض للمخاطر المختلفة واجب علينا جميعًا الاستثمار في نشر الوعي بها وتعميمه.
ودمتم سالمين.