ما زالت حكومة الكيان الصهيوني (حكومة نفتالي بينيت/ لابيد) كسابقاتها تعبر عن عجزها المطلق، في التعاطي مع الشعب الفلسطيني ومطالبه المحقة والمشروعة، والمؤيدة من جميع دول العالم تقريباً، ومن الأمم المتحدة سواء على مستوى قرارات مجلس الأمن، أو قرارات وتوصيات الجمعية العامة والتي تؤكد جميعها على عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة، وعلى عدم شرعية الاستيطان، وعلى الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وغير القابلة للتصرف.
بالأمس 9-11-2021م صوتت الجمعية العامة على أربعة قرارات مهمة لصالح الشعب الفلسطيني بنسبة ساحقة، تؤيّد حقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة، ولم يعارضها سوى مندوب حكومة الاحتلال وبعض مندوبي الدول الهامشية وامتناع البعض ومنهم مندوب الولايات المتحدة الأمريكية. إن استمرار حكومة الاحتلال في إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، غير القابلة للتصرف لن يمنح الاحتلال والاستيطان أي شرعية تذكر، لتستمر حكومات الكيان الصهيوني في إجراءاتها العدوانية والعنصرية والقائمة على استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات فيها، والتي تمثِّل جرائم حرب موصوفة، يرفضها ويجرمها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
إن التفكير الصهيوني داخل (صندوق الأمن والاستيطان)، والتوسع والعنصرية والتهجير والضم والإحلال، والإنكار المستمر للحقائق التاريخية، والجغرافية، والسكانية، والقانونية والمشروعية الدولية لن يجدي نفعاً، في إنهاء الصراع وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
إن هذه المواقف والسياسات تضع القيادة الصهيونية وحكوماتها عاجزة عن الفهم والاستيعاب، وعاجزة عن اجتراح الحلول والسياسات التي من شأنها أن تجد القبول لدى الشعب الفلسطيني أولاً، ولدى العالم وقواه الحيَّة ثانياً، مما يؤدي إلى استمرار حالة التوتر والعنف، وسيل الدماء من الطرفين وعلى الجانبين، دون إدراك أن جميع الحقائق تحتم على حكومة الكيان (التفكير خارج الصندوق)، والنظر إلى الواقع والحقائق التي تؤكد فشل سياسات الكيان الصهيوني في إخضاع الفلسطينيين وقيادتهم لرؤيته الفاشية والتوسعية والعنصرية، المرفوضة من جميع دول وشعوب العالم، وإن تباين التعبير عن ذلك من دولة لأخرى من دول العالم، إلا أن هناك إجماعاً دولياً يتبلور ويتأكد، على ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، آجلاً أم عاجلاً، ووضع حدٍ لهذا العنت والتطرف والإرهاب الصهيوني، وهذا الانغلاق النفسي والأمني المتحكم في العقل السياسي لحكام الكيان، الذي لا ينتج إلا حلولاً عسكرية وأمنية، تزيد الصراع تأججاً واشتعالاً، أمام فقدان الأمل لدى الفلسطينيين بالتوصل إلى حلٍ أو تسوية للصراع الدامي منذ سبعة عقود متواصلة...!
لقد منح الفلسطينيون الكيان الصهيوني أكثر من عقدين من الزمن، لدفعه للتفكير خارج الصندوق، والانفتاح على حلول تفاوضية وسط تلبي الحد الأدنى من متطلبات التسوية بين الطرفين، ولكن دون جدوى، فقد ازداد العقل المتحكم فيه تطرفاً وانغلاقاً داخل الصندوق، لدرجة بات لا يتحدث سوى مع نفسه، وأوهامه واعتقاداته الزائفة والمزيّفة، كما عبّرت عنها تصريحات وخطابات نفتالي بينيت مؤخراً المسيئة للفلسطينيين والعرب وحتى للأوروبيين والأمريكيين، لدرجة أستطيع القول إنه قد نفد صبر الشعب الفلسطيني وقيادته، كنتيجة منطقية لهذا التطرف والانغلاق الصهيوني، والنأي عن سبل التسوية والسلام، واختيار التوسع والاستيطان، والإنكار المستمر للحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية.
لذا من يتوقّع أن الإجراءات الأمنية الصهيونية من اعتقالات أو إعدامات وحواجز وحصار في حق الفلسطينيين، أو حتى التسهيلات الاقتصادية والحلول الاسترضائية التي قد تقدم عليها حكومة الاحتلال، كفيلة بإسكات القيادة والشعب الفلسطيني، فإنه واهمٌ ويعد ضرباً من ضروب الخيال الصهيوني المريض.
إن الشعب الفلسطيني لن يعدم الوسيلة عن الإبداع في تطوير أشكال نضاله وصموده، رغم ظروفه الصعبة، سواء على أرض الواقع في رفض الاحتلال وإفرازاته من استيطان وغيره، أو في الساحة السياسية والدبلوماسية والقانونية في المسرح الدولي، الذي بات يضيق ذرعاً بسياسات هذا الاحتلال، وبمواقف حكومة الكيان الصهيوني، من مفهوم الأمن والسلام والاستيطان والتهجير والإحلال، الذي لا يزال أسيراً لعقلية الصندوق، فمتى تخرج هذه العقلية الصهيونية المريضة من الصندوق، وتنظر للحقائق الموضوعية على الأرض، وعلى واقع القانون الدولي والسياسة الدولية...؟!
عندها فقط قد تصبح حكومة الكيان مؤهلة من أجل إجراء مفاوضات جادة وغير عبثية، بين الطرفين وبرعاية دولية متوازنة وغير منحازة تحتكم لقرارات الشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي، وليس لقوانين القوة والغطرسة والتطرف والإرهاب، لأجل التوصل إلى اتفاق تسوية وسلام، يحقق الحد الأدنى من متطلبات وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف، من حق العودة والحرية والمساواة إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ويحقق الأمن والسلام للمنطقة وللعالم.