د. محمد عبدالله الخازم
تجذبني كتب السيرة، بالذات حينما يدونها أحد القدوات، ككاتبنا - محور المقال- وقد عرفته نموذجاً توج كفاحه إلى تميز وطني ومهني مشهود، رافدة الخلق الرفيع والعلم الغزير اللواء ركن بحري (م) مسفر الغامدي، أسعدني بكتابة شيء من سيرته التي أختزلها بشكل كبير. يبدو الأمر منطقياً لمن يعرف ما هو عليه في تواضعه وهروبه من أحاديث الذات وتقديره للآخرين الذين مروا في حياته بمختلف مراحلها. لكي تكتب سيرة مثيرة عليك أن تنفخ ذاتك/ أن تخرج منها، لتحكي القصص والتفاصيل الإيجابي منها والذاتي والمرهق والمتعب والسلبي وغير ذلك. «الإبحار في عين العاصفة» أستطيع وصفها بملخص سيرة قفز بنا كاتبها على التفاصيل خشية أن نقول عنه مغرور يمجد ذاته أو خشية أن يشير إلى سلبية تزعج غيره أو لاعتقاده بأنها سيرة عادية.
هل تريدني أن أصدق يا أبا أحمد أن شقاء طفل يتيم ينتقل من القرية للمدينة البعيدة ومغامرات شاب يافع يذهب للدراسة في الباكستان ثم أوروبا ومسيرة قائد بحار يساهم في تأسيس صروح وطنية تعليمية وأمنية في مجاله، احتوتها هذه الصفحات العابرة القليلة التي عنونتها بـ«الإبحار في عين العاصفة»؟!
لا أدري هل كان الأمر مقصوداً أم فرضه السرد؛ بدأت السيرة بحديث عن «الحمى»، وهو ملك عام للقبيلة أو القرية يحدد كبارها متى يتم الرعي فيه والاحتطاب منه ومتى يمتنع عن ذلك وكيف يحافظ الجميع عليه وغير ذلك من الضوابط. مفهوم الحمى هو المفتاح الأول الذي كون شخصية بطل السيرة من ناحية إدراك مفهوم وطن تحميه، تبذل روحك دونه ولا تستغله لمصالحك الشخصية على حساب غيرك. لقد كان اللواء الغامدي نموذجاً للقائد العسكري المخلص لوطنه وقُدر له ذلك من قبل قيادات الأمن في بلادنا عبر تكليفه بالعديد من المناصب والمهام الوطنية الحيوية في مجال تخصصه.
وجود القدوات مكون مهم في مسيرة أبناء القرى، فالراوي يعرج على بعض أحاديث القادمين من مناطق أخرى؛ منهم من يتحدث عن شركة البترول الحديثة ومنهم من جلب المذياع للقرية ومنهم من يتحدث عن حياة المدينة، إلخ. أسهمت الحكايات في تحفيز المغامرة وشغف العلم لدى صاحب السيرة، رغم أن عائد الدراسة لم يكن مغرياً، بدليل أن عمه -مربيه بعد وفاة والده- لم يتحمس لتعليمه حيث العمل في الزراعة والرعي أجدى وأكثر فائدة للعائلة ولشخصه، حينها. وبدليل ما كان يفعله بعض أقرانه؛ يكتفون بقليل من التعليم لأن هناك ما هو أهم في منظورهم، في ذلك الزمان. إذا كان المبحر في عين العاصفة يروي القصص المحفزة للطفل الصغير كسرد عابر، فإن كفاحه ونجابته، تالياً، شكلتا تحفيزاً لغيره من الأجيال اللاحقة وأنا أحدهم.
عاصر كاتبنا العديد من الأحداث السياسية والعسكرية الحساسة التي مرت بها بلادنا والمنطقة المحيطة، أشار إليها بشكل سريع في هذه السيرة المختصرة، وأفرد لها مؤلفات أخرى قدم فيها مزيجاً من الخلفيات التاريخية والعلمية والرؤى المستقبلية ذات العلاقة بالاستراتيجيات الجيوسياسية والأمنية البحرية. أشيد بما بذل في تلك المؤلفات من جهود مميزة وأحث أهل الاختصاص والاهتمام على قراءتها بتمعن.