منال الحصيني
عندما كنت في رحلة علاج لابني الأصغر، وفي أحد ممرات تلك المصحة... صادفت والدة «ريان» التي جمعتني بها صداقة رغم أننا من بلدين مختلفين.
كانت تحمل هموم الدنيا فوق رأسها؛ لكون ابنها عاجزًا عن الحركة.. لعلي ألتمس لها عذراً فهو طفلها الأول.
انقضت الأيام.. مر الشهر تلو الآخر وما زالت صاحبتي كثيرة التضجر، فقد كانت المعاناة تنزع معنى الحياة لديها.
كعادتي في نهاية الأسبوع أصحب صغيري لنرى الحياة خارج جدران تلك المصحة وأحادثه كما لو كنت أحادث شخصًا عاقلاً.
هناك شيء بداخلي يشعرني بأنه يفهمني لربما أصبت أو أخطأت.
اصطحبت صاحبتي معي رغم حديثها الممل الذي أكاد أسمعه بشكل يومي.
طال الحديث بيننا وأخذت تتعمّق بنهم لفهم وإدراك عقلانيتي المنطقية حيال أمر «ريان»
أجبتها وبشكل مجازي، حينما نجد أنفسنا في موقف لا مفر منه كقدر لا يمكن تغييره عندئذ نكون أمام فرصة أخيرة لتحقيق المعنى الأعمق لهذه المعاناة ونجد لها معنى في حياتنا ونفكر، فلا وجود لشيء إلا لغاية ما وكون هذا الفكر هو أصل الإيمان بالقضاء والقدر وأن كل شيء قد تم تقديره سلفاً، فهي أمور حتمية، فامنحيه الحياة الملائمة له، واجعلي منه إنساناً أفضل، لكني وجدت نفسي مرتبكة حينما وجهت لي سؤالاً:
لماذا فرحتها ناقصة أهو عقاب؟ ولماذا «ريان» من بين الأطفال؟
أجبتها أما عن «ريان» فهو طفل نقي بريء يستحق الجنة بمشيئة الله.
وأما عن ما إذا كان عقاباً فليس من المعقول أن تذهب تلك المعاناة هباءً.
ربما لم تكن محاولاتي في إقناعها كافية للغاية،
وفي طريق العودة وعند دخولنا المصحة ها هي الطبيبة المناوبة تصفق بكفيها لمداعبة صغيري، كنت أتحدث إليها كثيراً وأعرف جزءًا بسيطًا عن حياتها.
أخذت تسأل والدة «ريان» عن أحواله لكن الضجر ما زال يخيّم على رأس صاحبتي.
اشتركت في النقاش بطريقة ارتجالية وأخذت أسأل الطبيبة عن عمرها الذي كان «نيّفاً وستين»؟
استطردت بسؤال آخر هل لديك أطفال؟
أجابت: رغم أن حياتي زاخرة بالنجاح المادي والمركز الاجتماعي إلا أنها كانت خالية من وجود الأطفال، ولكن حينما أعود بذهني إلى ماضي حياتي لا أستطيع أن أرى من أجل ماذا كانت حياتي.
حدّقت طويلاً بصاحبتي ثم دعوتها أن تتخيّل نفسها كما لو كانت كتلك الطبيبة.
أردفت قائلة: بالنسبة لي أستطيع أن أجول بذاكرتي في ماضي حياتي برضا وقناعة وسلام لأني أستطيع القول إن حياتي كانت ذات معنى وسأسعى جاهدة وأبذل قصارى جهدي لذلك.
وبذلك انتهت فصول تلك المسرحية النفسية التي أيقنت صاحبتي أن «ريان» أضفى بعداً آخر لحياتها رغم معاناتها، وأصبح جلياً أمامها أن هذه الحياة تتضمن معنى أكثر من حياة استمرت «نيّفاً وستين».