د.فوزية أبو خالد
حضرت منتصف الشهر المنصرم مؤتمرًا أقامته مؤسسة بيرسون المختصة بدراسة الصراعات الدولية التابعة لجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. وكان اللقاء العلمي يُعني ببحث قضية المعلومات الرقمية ومصادرها المتعددة بما فيها الوسائل التقليدية وتأثيرها في تشكيل الرأي العام من ناحية وعلى وضع الاستراتجيات وصنع القرار من الناحية الأخرى. كما كان يعنى بتقديم قراءة لما قد ينتجه «التضليل المعلوماتي» من نتائج مخلة على مستوى صناعة القرارات وعلى مستوى تشكيل الرأي العام سواء نتج مثل هذا التضليل المعلوماتي عن سوء استخدام المعلومة أو أتي بتغيبها تغيبا سياسيًا أو إعلاميًا متعمدًا أو جاء بوضعها في سياقات غير سياقاتها المعرفية والميدانية بما قد يترتب عليه وضع استراتيجيات وسياسات خاطئة وبما قد يسهم في ضلال الرأي العام وتعتيم قدرته الإبصارية.
وقد تعددت محاور أوراق العمل وتقديم مختصراتها من قبل الباحثين ومعظمهم ينتمون لعدد من مؤسسات الفكر والأكاديميا والصحافة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية مع إشراك بعض قليل من الباحثين والمهتمين الممثلين لمناطق أخرى من مناطق العالم التي عنيت بعض أوراق اللقاء وجلساته بتقديم دراسة حالة عن واقعها فيما يتعلق بقضية اللقاء المذكورة أعلاه. إلا أن ظروفي ومتابعتي عن بعد لجلسات اللقاء المخصصة لتقديم دراسة حالة عن المملكة العربية السعودية وعن اليمن وعن الاتفاق النووي الإيراني، دون أن يتوفر للحضور الافتراضي مساحة للحوار الصوتي مع مقدمي الأوراق المطروحة حد من إمكانية التفاعل التبادلي. ولهذا كان لا بد أن آخذ بحكمة مقولة «ما لا يدرك جله لا يترك كله». فمع تقديري لدعوة مؤسسة بيرسون لحضور الندوة على «المنصة الافتراضية» مع التأكيد على وجود مواضيع قد تهمني بحكم تخصصي العلمي في علم الاجتماع المعرفي والسياسي وانتمائي الوطني، فإنني قد عملتُ نظرا لعدم إتاحة التفاعل المباشر على تحرير رأي مكتوب عما جاء في الندوة بخصوص السعودية واليمن وإيران تحديدا أنقل بعض نقاطه مترجمة إلى العربية هنا:
1- لقد لفتني في لقاء يعنى بتمحيص «دور المعلومة» وشفافيتها وأهميتها في تشكيل السياسات وفي تكوين الرأي العام أن لا تقدم الأوراق التي قامت بطرح دراسة حالة في هذا المجال عن ثلاثة بلدان من الشرق الأوسط معلومات رقمية محددة عن تلك البلدان في المواضيع التي جرى طرحها وهي حرب اليمن والاتفاق النووي الإيراني وتحولات المملكة العربية السعودية.
2- أعتقد أن الحديث عن حرب اليمن كان ينقصه «معلومة» باتت معروفة على مستوى دولي وهي مهمة الإشعال الأول للحرب ومواصلة التدخل العسكري التصعيدي الذي يقوم به نظام إيران الثيولوجي الطائفي لتلك الحرب لصالح فريق أحادي طائفي (الحوثي) على حساب الشعب اليمني. ومع أن الباحثة بروفيسور ستايسي فيلاريك- يادار قد أشارت لنقطة جوهرية لا يمكن إغفالها في تحليل كارثة الشعب اليمني والبحث في سبل معالجته وهي مسألة التمثيل اليمني.
وبهذا الصدد طرحت الباحثة سؤالا مهما وهو كيف يمكن أن يكون الحوثي طرفا ممثلا لليمنيين في أي مفاوضات سلمية وهو الذي عمل ويعمل على الأرض على ضرب الشعب اليمني بضراوة في تعز والحديدة ومأرب وما زال مستمرا في تهجير بل تهجيج السكان واقتلاعهم من بيوتهم وأراضيهم، إلا أن السؤال «المعلوماتي» الآخر في هذا السياق الذي بقي معلقا ولم يجر الاقتراب منه مع أنه لا يقل أهمية هو سؤال من يتولى تسليح الحوثي ليرتكب جرائم الحرب هذه في حق المدنيين اليمنيين وفي تحويل أطفال اليمن إلى لقمة سائغة في يد ميليشيات غاشمة.
3- وفي الأوراق التي قدمت بصدد الاتفاق النووي الإيراني طرحت تحليلات معمقة عن الدوافع والكوابح التي تحكم الموقف الدولي في موقفه من النشاط النووي الإيراني وضرورة إيقافه. ومع أنه طرح في ذات السياق تحليلا عن الآثار الداخلية للعقوبات الاقتصادية التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران ودورها في تردي مستوى معيشة الشعب الإيراني إلا أنه غاب في رأيي عن ذلك التحليل «معلومة ميدانية هامة جدا» في أسباب شظف الشعب الإيراني وهي الصرف الجنوني الذي يصرفه النظام الإيراني على تكوين مليشيات إيرانية وعلى تسليح وتدريب المليشيات العميلة له في سوريا ولبنان والعراق واليمن بالسرقة البواح من الشعب الإيراني وعلى حساب مقدرات الطبقات الرقيقة منه.
4- وإذ كانت قد أوردت مديرة الحوار أفراح ناصر من السويد «معلومة» مهمة تفيد بأن أحد منظمات الحقوق الإنسانية الدولية قد أصدرت تقريرا يدين الحوثيين على ولوغهم في دم أطفال الشعب اليمني ودم المدنيين وتنمرهم العسكري والسياسي ميدانيا على كل جهة مدنية تحاول تخفيف مأساة المقتلعين اليمنيين من أراضيهم المبعدين عن بيوتهم ومقار عملهم ومدارسهم، بما نرى فيه تطابقا مع التهديد الأمني والتعطيل المعيشي الذي يرتكبه حزب الله في لبنان، فإن الورقة التي قدمها أستاذ التاريخ جوان كول في الموقف السعودي من اليمن قد غابت عنها «معلومة هامة جدااااا» وهي الاعتداءات الحدودية التي ارتكبها الحوثي قبل الحرب وإبانها ولا يزال يرتكبها على الحد الجنوبي من المملكة العربية السعودية، بل وتعديه ذلك بضرب منشآت نفطية ومواقع مدنية أخرى من أراضي المملكة العربية السعودية.
وأخيرًا فكم أتمنى أن يكون لنا حضور عيني وليس عن بعد في مثل هذه المؤتمرات والندوات الدولية التي تقيمها الجامعات والمؤسسات الفكرية المعنية في أمريكا والغرب بتحليل ما يتعلق بواقعنا بما يتيح للباحث منا والمشغول بقضايا الرأي المحلي والدولي العام التعبير ما استطاع إلى ذلك سبيل عن «معلومات» مستقاة من الواقع الميداني ومن الرصد القريب والمعايشة وليقدم تحليلا يحمل رائحة المكان ويمثل بموضوعية واقع الحال وتفاصيله التي قد لا يراها البعيد.
كما كم أتمنى أن تبادر جامعاتنا ومؤسسات الفكر لدينا على محدوديتها لعمل مؤتمرات وندوات في الشأن العربي والإقليمي والدولي وقضاياه الحيوية.
وكم أتمنى أكثر من أي شيء آخر أن تنتهي الحرب وتنتهي الصراعات العربية والإقليمية وكافة أنواعها الإثنية والمذهبية وسواها ويعم الوئام بالجوار وبالعالم فلا تعود المنطقة موضوع دراسة حالة ولا مضرب مثل إلا على التحول النهوضي والفكر المستنير والاقتصاد المستقل والعدل الاجتماعي والبنية الاتحادية والحياة الكريمة من الرغيف لحرية التعبير ومن القرى لبلدان عظمي تهابها القوى القريبة والبعيدة وتنعم بالسلام.