إيمان حمود الشمري
في لبنان عام 2002 تم إيقاف حركة سير أحد الشوارع لتسهيل مرور موكب بسبب الزحمة أو (العجقة)، وتوقف الشارع بالكامل ليمر الموكب لعائلة لا علاقة لها بالسياسة ولا تملك حتى جوازات دبلوماسية، وإنما كانت عائلة ثرية لديها حراس شخصيون استطاعوا أن يوقفوا الشارع ويسهلوا مرورهم لتخطي الزحمة! دار هذا الحوار قبل سنوات بيني وبين صاحبة الموكب التي كانت تتحدث بشكل مازح ساخر كيف لحراسهم الشخصيين أن يوقفوا شارعاً على مرأى من الجميع دون أن يتدخل أحد لإيقافهم، وكل ذلك حدث من أجل أن لا يفوتهم حجز الطاولة التي سيسهرون عليها في تلك الليلة! ولأن الأمر بالفعل مضحك شاركتها الضحك ومن ثم استدركت قائلة وكأنني أحدث نفسي: هل تعرفين ماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني أن هذا البلد فوضى، لا حكومة لا قيادة حازمة ولا يوجد من يضبطه بالأساس.
فوضى عارمة تعم هذا البلد يراها السائح منذ بداية دخوله للبنان، عندما يفتح باب المطار ويستقل سيارة الأجرة التي ستنقله للفندق ويمر بالشوارع والعمارات التي بقيت عليها آثار ثقوب لطلق ناري، ويرى مبانيَ عارية من كل لون عدا صوراً لزعمائهم تحمل شعارات تأييد غبية كاذبة، حرب شوارع وميلشيات وبلطجة، فالسلاح في متناول الجميع ونقاط تفتيش قد توقفك دون أن يرتدي أصحابها زياً عسكرياً، والكل يدّعي حب لبنان ولا أحد يدعو لخدمة مصلحتها، لذا أشفق على لبنان بسبب من يمثِّلها، أبواقها خونه وحكوماتها قطاع طرق، وكلما حاولت أن تكسب ولاء أو استعطافاً من الدول، خرج لها صوت ينعق ليسلبها الكرت الأخير من التعاطف، إن أكثر من أساء للبنان هم اللبنانيون أنفسهم الذين عجزوا عن حل مشاكلهم وزرع الاستقرار ببلدهم وتأمين لقمة العيش للمواطن، وانشغلوا بقضايا الغير، علها تشفع لهم خيبتهم وخسة موقفهم تجاه بلدهم، فمن يعتب عليهم بعد أن يرى ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، بلد فقير معدم يقتات على فتات المعونات يخرج له صوت خائن يتكلم عن الحق والإنسانية وشعبه جائع وأبسط حقوقه أن تمتد ساعات التيار الكهربائي دون انقطاع.
الوضع الحالي في لبنان بمثابة درس أعطته خيبة لبنان لجميع الدول، فعندما ينتشر الحراس الشخصون للعامة والصغار وأراذل القوم ويتجولون في الأماكن بين الناس لإثارة الذعر والرهبة، وعندما يُباع السلاح كما القهوة ويصبح في متناول الجميع، وعندما نخشى البعض أكثر من خشيتنا على وطننا، وعندما نأمن العقاب ونستسهل الخطأ ونتعدى على الصلاحيات وتعم الفوضى، فأذنوا بحرب الميلشيات القادمة! وأذنوا بلبنان آخر.