أرى لزاماً عليَّ أن أعترف لكم جميعاً بأنني لم أقرأ رواية تشيللو لكاتبها تركي آل الشيخ، لكن الرواية أخذت اهتمامًا خاصًا من المتابعين على منصات التواصل ما بين مادح ومعجب وغير ذلك، وقد أعطى حجم انتشار هذه الرواية قبل الاطلاع عليها مكانة كاتبها، فهو رجل دولة ومسؤول عمل في أكثر من حقيبة وزارية تهتم بالشباب والمجتمع، إضافة إلى نشاطه الواسع الذي يقدمه من خلال موقعه الإلكتروني من مسابقات وجوائز كان من الطبيعي جداً أن يأخذ اهتمامًا مختلفًا.
ورغم أن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في أن الكتابة بشتى فنونها لا تتعلق بشخص وغيره وليس لها ارتباط بمكانة الكاتب وقيمته وأهميته. إلا أن الهجوم الذي سله البعض والثناء الذي ذكره البعض قد عكس لنا أحكامًا بانطباعات ورؤية برأي شخصي، وكأن البعض يُلبس الظن مكان الحق والتوهم بدل الحقيقة.
منذ زمنٍ بعيد وبمختلف فنون الأدبِ وصوره أن مثل هذه المواهب ينالها الموهوب أميراً أو غفيراً، والمتأملُ للتاريخ الأدبي من الجاهلية إلى يومنا الحاضر يلمس أن الأدب لا علاقة له بمكانتك لكنه يمر على أصحابه وذويه، فهذا شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت يؤكد لنا أن لا خلاف ولا اختلاف، بأن المكانة للشخص ليس لها علاقة بأدبه وفنه وشاعريته وليس للمواهب أهل بأنها تكون لأوساط النشاط أو أقلهم، بل إن الإبداع الأدبي تجده في كنف أمير وشيخ وبسيط.
وتبقى المكانة في مختلف تعبيراتها ليس لها علاقة بتصنيفك بأن تكون أديباً أو غيره.
ومن أسوأ ما تتركه المكانة على الإنتاج الذي يقدمه صاحبه هو التشكيك فيه وفي إبداعه والعمل على ربط التساؤلات كيف يجمع بين الشعر والرواية والمكانة الوظيفية أو الاجتماعية، وهذا يرده الواقع المجيد لنجاحات الكثير من الأدباء الذين لهم مكانتهم الخاصة، فهو في النهاية إنسان يزهو مع الكلمة الجميلة ويعبر عنها شعرًا أو رواية أو قصة، والواقع يشهد بذلك، فهذا الشاعر الأمير عبدالله الفيصل والشاعر الأمير خالد الفيصل والدكتور غازي القصيبي والدكتور عبدالعزيز خوجة والدكتور مانع العتيبة والقائمة تطول في الاستشهاد بأن المكانة لا علاقة لها البتة في التشكيك بإبداع الكاتب في مجال الفن الأدبي.
وكان بالفعل من ضمن الأسئلة التي كنت أسأل نفسي فيها أن مثل هذه الشخصيات الاعتبارية كيف يجد وقتاً ليكتب وكيف يتفرغ لما يكتب؟ حتى حضرت محاضرة لمعالي الدكتور غازي القصيبي في النادي الأدبي بالمدينة المنورة قبل سنوات وأزال هذا التساؤل من خلال حضوره المختلف.
إن النص المنشور للأعمال الأدبية هو المكان الذي يستحق قراءته ونقده وطرح الرأي فيه دون التعرض لأي اعتبارات أخرى أو الخوض في نقد الشخص دون النظر إلى إنتاجه وعمله الذي يقدمه، وهو الأمر الذي أغرق الكثير في الدخول بذمم الآخرين أو النيل منهم أو التقليل والتشكيك في أعمالهم، وهي قضية تؤطر على مسيرة الإبداع لدينا والتقليل من المنتج من اتجاهات عدة أهمها أن نتفرغ لجوانب ليس لها أهمية ولن تضيف سوى خلق نزاعات شخصية تنخر في مستوى التقدم الذي نعيشه، وهي بذلك تعطل مسار التنافسية في مجال الإبداع.
إن مكانة العمل الإبداعي ينحصر في المحتوى ومدى اكتمالها من جميع العناصر الفنية، فهي تلامس وجه الإبداع الذي ننشده دون أن نبقى معلقين بين المكان والمكانة التي حُصرت كثيرًا من الأعمال وشوهت بسبب ربط المكان بالمكانة، وهو الأمر الذي سيؤخرنا كثيراً في سمو الإبداع وحضوره.
** **
- عبدالله بن سليمان السحيمي
E-Mail: Alsuhaymi37@gmail.com
Twitter: @Alsuhaymi37