معتصم باكراع
من البيئة التي تحيط بنا نتعلَّم ونستفيد، فالحياة مليئة بالتجارب التي تنقح خطواتنا وتلملم شتات أنفسنا في عالم متسارع لا يقبل إلا بالمواكبة والتطور، فإن لم تتقدم خطوة سوف تقبع في مكانك وكما يقول الصمد {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} سورة يوسف، فالقصص من الوسائل التي تنقل خبرات الآخرين فترسم لنا الطريق والأسلوب الذي يبعدنا من التكرارات المذيلة بالنهايات السيئة، فإن كانت القصص كذلك فكيف بما نعايشه من واقع التجربة الحياتية والذي بطبيعته يرمم جوانب القصور لدينا من أخطاء الآخرين وتعثراتهم.
سأسوق مثالاً من وحي الواقع لشخصين الأول رجل لديه رسالة يريد أن ينشرها للآخرين مثل الرجل الثاني جميعهم على قدر من العلم والحكمة ولا أزكي على الله أحداً وإنما الفارق يكمن في أن الشخص الأول لديه حس المشاركة التسويقية لمجاله فقد استضافته المحطات التلفزيونية وتناولت أطروحاتها وكُتبت المقالات عنه وما بين التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي يمشي ويتواكب بخطى ثابتة لكي يقدم لجمهوره القيمة والفائدة.
وأما صديقي الآخر فيتقاسم معه نفس المجال ولا يتقدّم عليه في شيء أو يتأخر تقديم دوراتهم التدريبية يدخل ضمن نطاق تخصصهم ولكن الفرق فيما بينهم أنه على الرغم من سعيه في إخراج مادته التدريبية بأحسن جودة وبحثه عن أفضل القاعات التدريبية لكي يقدم المعرفة إلا أنه لا يحب التسويق، بل لن تجد له حساباً واحداً في وسائل التواصل الاجتماعي فعَّالاً ينشط فيه ويقدّم ويشارك أفكاره للناس وسوف تتعجب يا صديقي إن قلت لك أن له كتاباً في إحدى المكتبات الكبرى في المملكة يحتوي على 600 صفحة دون أن يفكر في تسويقه أو نشره سوى محاولاته الهزيلة في تقديم كتابه مع دورته التدريبية.
وبالمقارنة بين الشخصين نجد أن الأول كون له قاعدة جماهيرية كما أن مجرد البحث عن اسمه في اليوتيوب ومشاهدة استضافته على القنوات التلفزيونية الشهيرة وحسابات التواصل التي تمثِّل نشاطه، مباشرة إن كنت مهتماً بنفس المجال سوف ينتابك الفضول لمتابعته والحرص على حضور دوراته المعرفية التي يقدّمها، وعلى النقيض الآخر حينما تتجول في إحدى المكتبات الكبرى وتجد الكتاب الثقيل الذي حدثتكم عنه لن تتحمس لشرائه وأنت لا تعرف حقاً من هذا الكاتب؟ عوضاً عن أن تبحث اسمه في محركات البحث جوجل فلا تجد له شيئاً وكأنه سراب.
إننا في زمن التسويق إذا لم تسوّق لنفسك بالدرجة الكافية سوف تدور في دوائرك المعزولة، وعلى مستوى الوظيفة والتوظيف نجد أن موقع لينكدن والذي يضم أنواع مختلفة من القطاعات الحكومية والهيئات العامة والشركات المتعددة لها حضور قوي وأن عمل حساب في موقع التوظيف الشهير لينكدن سوف يعزِّز من وجودك ويظهر خبراتك وشهاداتك، بل إن نسبة عالية من الفرص الوظيفية تتم من خلاله في مختلف القطاعات.
التسويق هو التواجد كيف تثبت حضورك المهني دون أن يكون لك حضور رقمي في عالم تتحدث خوارزمياته في كل لحظة، إرسال سيرتك الذاتية أصبحت من الماضي، وجود قاعدة بيانات هائلة في موقع عالمي يتيح لأي جهة تريد فتح باب التوظيف أن يطلعوا على تلك البيانات والتي تعطيهم صورة دقيقة وشاملة عنك من جميع النواحي شخصيتك أسلوبك كلماتك أفكارك ومن ثم تتقلص الاختيارات حتى يتم ترشيح الموظفين الأكفاء.
المثال الذي طرحته لا أناقش قصة ارتأيت مشاركتها وحسب لشخصين على نفس الدرجة والكفاءة، ولكن الفارق المذهل أن المسوّق تجاوز الوقت الذي سوف يقطعه الآخر لمدة أطول لو أراد أن يتطور في مجاله، وإنما التسويق ضرورة لا مناص عنها للموظف والمدير والمدرب والشركات بكل تأكيد، وكل من أراد أن ينتقل إلى الخطوة التالية في مسيرته.
هناك مقولة رائعة للكاتب جو جيرارد مؤلف كتاب كيف تبيع لأي شخص تقول (إذا استطعت أن تصل إلى حواس العملاء فأنت تصل بذلك إلى مشاعرهم، فكثير من الأمور تُشترى من باب الشغف والمشاعر وليس من باب المنطق)، التسويق هو بناء قصة جذابة حول منتج معين وإقناعك به هو استحداث مشكلة قد لا تعاني منها، ولكن الأسلوب التسويقي هو ما يجعل شرائك هو الحل.
صفوة القول لكي تكون رقماً صعباً في مجالك أياً كان تخصصك احترف التسويق الشخصي بعد التأكد من القيمة التي تقدمها وأعدك بعد توفيق الله سوف تحقق طموحاتك، العمل الدؤوب والتسويق سوف يصل بك إلى وجهتك المنشودة.