اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لا يشك عاقل أن من أسوأ الأمور أن يأتي الإنسان الشر من حيث يتوقع الخير، فالدولة التي كانت في يوم من الأيام محل اهتمام أهل الخليج، واعتبروها أقرب الدول العربية اليهم، مقدمين لها الدعم المشهود وغير المحدود في السراء والضراء، أصبحت العلاقة مع هذه الدولة لا تطاق بسبب الحزب الخائن الذي تنكر لإخوته وأبناء جلدته، وناصبهم العداء مصدراً إليهم الإرهاب والمخدرات، ومتجنياً عليهم في كل الأوقات، إرضاء للشيطان وملالي طهران.
ولم يعد هذا الحزب يشكل دولة داخل دولة، بل أصبح هو الدولة اللبنانية بعد أن تغلغل في مفاصلها وتسنم أعضاؤه أهم مناصبها عن طريق بعض المتنفذين في المكون الشيعي الثاني وبعض المغلوبين على أمرهم من الأحزاب المسيحية التي وجد هذا الحزب له طريقاً للسيطرة عليها والتحكم في أمرها، وكذلك بعض المحسوبين على المكون السني من رؤساء الحكومة الضعفاء، ومن هنا صارت الدولة اللبنانية رهينة بين حزب (اللات) وبين مطايا الأجنبي عبدة الذات، منطبقاً عليهم قول الحق تبارك وتعالى (ومن يهن الله فماله من مكرم) وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: اتق شر من أحسنت إليه، وقال الجاحظ: اللئيم يفسده الإحسان. وقال دوستويفسكي: لا يليق بالعلاقات المسمومة الا البتر، مجاملة الأفاعي جريمة، وقد قال الشاعر:
إن اللئيم إذا تمكن من أذى
يطغى فلا يبقى لصلحٍ موضعا
والواقع أن حزب (اللات) منذ أن طغى نفوذه في لبنان نصب نفسه أداة من أدوات نشر المشروع الإيراني وتصدير ثورة الفقيه في المنطقة بالشكل الذي جعل لبنان يبتعد شيئاً فشيئاً عن عمقه العربي حتى وصل به الأمر إلى ما هو عليه الآن من عزلة عربية ودولية، ناهيك عما يعانيه من الفشل السياسي والانهيار الاقتصادي بسبب ما يمر به من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية، أصبح معها مستقبل الدولة اللبنانية ومصير الشعب اللبناني في مهب الريح.
ومما لا يختلف عليه اثنان أن هذا الحزب الإرهابي هو المتسبب الأول فيما يعصف بلبنان من أزمات متلاحقة ومصائب متفاقمة نتيجة لتبعيته لإيران ورعايته للإرهاب وتصديره للمخدرات، جاعلاً من هذا البلد العربي مسرحاً للتدخلات الأجنبية والمزايدات والمساومات الإيرانية الإسرائيلية على حساب الأمة العربية وسيادة حكومة لبنان وكرامة شعبه، وانتماءاته الوطنية والقومية والدينية.
وقد استفحل أمر هذا الحزب الإرهابي حتى همش دور الدولة اللبنانية، وأصبح هو الدولة يتخذ قراراته بدون موافقة السلطة اللبنانية كما حصل أثناء تدخله السافر في الحرب السورية لمناصرة النظام الحاكم في سوريا ضد الشعب السوري، وتدخله المُقنع في الحرب اليمنية لمناصرة الحوثيين وإمدادهم بالخبراء والأسلحة لقتال الشعب اليمني وحكومته الشرعية والاعتداء المستمر على المملكة الجارة الكبرى لليمن وصاحبة اليد العليا الممدودة بالخير.
والكلام المغلوط الذي تكلم به سفيه من سفهاء الإعلام وسمسار من سماسرة الظلام، حرك المياه الراكدة والمستنقعات الآسنة وأزال الأقنعة عن بعض الوجوه، كاشفاً عن الإفلاس السياسي والفكر الساقط والمنطق الهابط بالنسبة لبعض المسؤولين اللبنانيين الذين اتخذوا من المغالطات وسيلة لتبرير ضعفهم أمام الحزب العميل الذي جعل مستقبل الدولة اللبنانية والشعب اللبناني على كف عفريت، فبدلاً من أن يكون رد فعلهم هادفاً منصفاً يصلح ما أفسده سفهاء الإعلام وسماسرة الظلام وذلك بالتجني على دولة شقيقة لها قدم صدق مع لبنان وشعبه، تحول رد الفعل إلى ما هو أسوأ من الفعل، جامعاً بين الهروب من الواقع واللجاجة المجحفة والسذاجة السياسية المسرفة، منطبقاً عليهم قول الشاعر:
إذا لج أهل اللؤم طاشت عقولهم
كذاك لجاجات اللئام إذا لجوا
وبعيداً عن تصرفات هؤلاء فإن من أجمل ما يتصف به الإنسان في تعامله مع الآخرين أن يجمع بين بذل الحسنى والصبر على الأذى من خلال الإحسان إلى من أساء إليه، كما هو الحال بالنسبة لتعامل المملكة مع لبنان حيث تقف إلى جانبه في الأزمات وتقدم له المساعدات والهبات، صابرة على ما تتعرض له من الأذى من قبل حزب (اللات) الإرهابي والأطراف الدائرة في فلكه منذ عقود، أملاً منها بأن تستعيد الدولة اللبنانية سيادتها وترجع إليها عافيتها وهو أمر بات بعيد المنال وضرباً من المحال، ولسان المقال وواقع الحال هو قول الشاعر:
يد المعروف غُنم حيث كانت
تحملها شكور أو كفور
فعند الشاكرين لها جزاء
وعند الله ما كفر الكفور
وقال آخر:
وأحسن مأثرة للكرام
إحسانها بعد إحسانها
وتمشياً مع سياسة المملكة وتوجيهات قيادتها الرشيدة التي تنطلق من المبادئ والقيم التي تؤمن بها وهي أن الكريم لا يمن ما يجود به على الآخرين والشريف ينسى ذلك الجود، وأن إحياء أعمال الخير من المنح والهبات والمساعدات يكون بإماتة ذكرها كما أن تعظيمها يكون بتصغيرها من قبل من يفعلها، أما الذي يُفعل فيه الطيب فيجب أن يذكره ويشكره لتحصل له الزيادة، ومن هنا فلن أذهب بعيداً في ذكر مواقف المملكة الداعمة للبنان وشعبه، أولاً لأنها أكثر وأكبر من أن تحصى، وثانياً لأن الشرفاء من أبناء الشعب اللبناني المغلوب على أمره ذكروها مراراً وتكراراً والشعب اللبناني أهل لما يقدم له والانتماءات الجامعة لها الغلبة على كل ما سواها من الموانع المانعة وكما قال الشاعر:
وما تخفى المكارم حيث كانت
ولا أهل المكارم حيث كانوا
وفي المقابل وعلى العكس من ذلك فإن أقبح ما يتصف به الإنسان أن يجمع بين الجحود والكنود، فلا يكتفي بإنكار وجحود مواقف الطرف الآخر النبيلة وأعماله الجليلة تجاهه، بل يؤذيه بالتجني عليه ومعاداته كما تفعل هذه الفئة الضالة من اللبنانيين الذين يتجنون على المملكة من حين إلى آخر من أجل مسايرة حزب (اللات) وإرضاء جهات خارجية على حساب مصلحة لبنان ومحيطه العربي الذي ينتمي إليه ومصيره مرتبط بمصيره.
ولم يتوقف الأمر عند الجحود والنكران وإنما تطور ذلك إلى الكنود وإلحاق الأذى والضرر حيث إن المملكة ومعها دول الخليج لم تجد مقابل الدعم السياسي والمادي الذي تقدمه إلى لبنان إلا التجني عليها وتصدير الإرهاب والمخدرات إليها وتسليح وتدريب الحركة الحوثية الإرهابية في اليمن علاوة على تكرار الاساءات ضد المملكة من قبل بعض العملاء والخونة المحسوبين على السلطة اللبنانية من الذين يسيرون في فلك حزب (اللات) ويعملون وفقاً لأجندة خارجية.
وقد تحملت المملكة ومعها شقيقاتها في الخليج تجاوزات حزب (اللات) وممارساته العدوانية ضدها عندما كان يتحرك منفرداً والسلطة اللبنانية غير راضية على سلوكه وتحاول كبح جماحه، أما الآن فقد نفد الصبر وبلغ السيل الزبى بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وأصبحت الدولة اللبنانية مسلوبة الإرادة ومنتهكة السيادة، والبلد مختطف من قبل هذا الحزب الذي يرعى الإرهاب ويصدر المخدرات، الأمر الذي دفع المملكة ومعها دول الخليج الأخرى إلى اتخاذ الإجراءات التي اتخذتها حفاظاً على أمن شعوبها ومصالحها الوطنية والقومية، بوصف هذا الإجراء ضرورة لا مناص من اتخاذه ولا غنى عن اللجوء إليه لعل فيه ما هو كفيل باليقظة وحصول العلاج بالصدمة لدفع اللبنانيين نحو تدبر أمرهم والعمل لإصلاح ما أفسده هذا العضو الفاسد الذي جلب إلى لبنان المصائب والشرور والويل والثبور.