د.حماد الثقفي
«قدم الغرب نموذجاً حضارياً معيشياً لن يكون صالحاً للاستمرار، حين يصل عدد البشر إلى 8 مليارات نسمة، وبالتالي لا بد من انقلاب على الماضي».. مُعترفاً الباحث الفرنسي في الشؤون الاقتصادية «دوسرتن»، بما جناه الغرب في حق البيئة والبشرية، ليُلقوا باللائمة على الآخرين، في قضية عدلية تتجدد بخلفياتها المناخية، لا سيما بعد اندلاع أزمة الطاقة للحصول على الوقود الأحفوري، وزيادة الصين من استهلاكها الفحم، هي وبلاد الهند النووية، لتتعثر الخطوات الأمريكية الطموحة، قبل حضور مؤتمر الأطراف 26 COP، للحد من الانبعاثات، والوصول لهدف 1.5 درجة من الاحتباس الحراري، ووضع قواعد لسوق الكربون العالمي، وجمع المليارات لتمويل مشاريع المُناخ الواهية.
لتكون الملكة إليزابيث الثانية مُحقّة باستيائها قبل قمة المناخ «كوب 26»، لتعنت الدول الغنية بدمارها للحياة الكونية عبر مراحل حركتها التصنيعية، وإبطاء النمو الاقتصادي للدول الفقيرة، ليستقلوا بعددهم ما يزيد على 200 طائرة خاصة، ومعهم السيارات والمروحيات، والمعدات الثقيلة، فرئيس أمريكا وحده، سار في حفلة من انبعاثات الغازات السامة، في موكبه من 85 سيارة، و«أمازون»، أكثر الشركات المُتهمة بأنها الأعلى في بث السموم الفضائية.. كما أن الأجيال المقبلة ليست في حسابات الساسة الديمقراطيين بالعالم وفق أفعالهم، ولعل جُملة غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، «الفشل في الحد من الانبعاثات سيشكل حكماً بالموت على سكان الكوكب»، تعني الكثير فمن يفهم؟!! فقد كان الهدف عام 2015 هو بلوغ الجميع «الصفر الإجمالي» عام 2050، ليكون الإخفاق حليفهم، فقد أبلغت الصين أنها تحتاج حتى عام 2060 وثمة من استمهل إلى 2070. كالهند.
ولم يتعلم قادة الكبار من الإدارة السعودية التي تعهدت باستثمار أكثر من مليار دولار في مبادرات بيئية جديدة، أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمكافحة تغير المناخ، وسعي المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى تعزيز دورها البيئي عالميا.. فعندما أعلن الأمير في كلمته في افتتاح مؤتمر «الشرق الأوسط الأخضر» في الرياض «تأسيس صندوق استثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة ومبادرة عالمية للمساهمة بتقديم حلول للوقود النظيف بإجمالي استثمارات 39 مليار ريال (10.4 مليار دولار)»، تدفع المملكة «قرابة 15 في المائة منها»، أي نحو 1.56 مليار دولار فيما تسعى لتوفير الباقي من صناديق إقليمية ودولية ودول أخرى.. كان لزاماً النظر لتلك البادرة الإنسانية وكونها قُدوة في توفير الحياة الكريمة لأكثر من 750 مليون شخص في العالم، وكذلك الغذاء وفق تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة في يونيو الماضي.
إذاً فهؤلاء لم يتنازلوا عن عنجهيتهم البالية، ليتضامنوا مع الشعوب المنكوبة بالحرائق والفيضانات والعواصف الهوجاء، فهل قدم قادة مجموعة العشرين في روما حلاً؟ الجواب لا! وهل كان مؤتمر الأطراف في جلاسكو، إسكتلندا بحضور حوالي 200 دولة ممثلين عنها، الجواب وتحديد المسار الكوني للمناخ؟.. أعتقد «يقولون ما لا يفعلون»!!. فكيف ولم يحضر أهم دول في الدمار المناخي كبعض القادة الرئيسيين مثل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، مما يُعد عدم تكافؤ في المشاركة، حي يتعين على الدول مراجعة تعهداتها بموجب اتفاقية باريس التاريخية عام 2015، وعدم وفائهم بما تعهدوا به في 2016 - «NDCs»، ولم يوفوا إلا باليسير منه، بل ارتفع الحرارة بمقدار 2.4 درجة بحلول نهاية القرن، وفقاً لمجموعة الأبحاث غير الربحية (Climate Action Tracker)، فقد كانت السنة الماضية كارثية، لكن لم يتعظ كثيرون. كما حدث بسكان ألمانيا وصقلية، وحرائق اليونانيين، وجفاف تركيا والجزائر وكندا، وأهل القطب الشمالي، حتى أن أوروبا قد سجلت أعلى الدرجات حرارة.
إنها يا سادة «إجراءات الآن!»، «أفعال لا أقوال» و«الطاقات الأحفورية مصيبة»، فهل من مُعين أو مُغيث إلا بهلاك هؤلاء السماسرة؟!!.. فعلينا وفي مقدمتنا الدول الصناعية اتخاذ دور فاعل رئيس من أجل الخروج باستراتيجية تحمي البيئة وتضمن المستقبل البشري، الذي اختصرها ولي العهد بقوله: «إنّنا اليوم ندشن حقبة خضراء جديدة للمنطقة نقودها ونقطف ثمارها سويًا إيمانًا منا بأن آثار التغير المناخي لا تقتصر على البيئة بل على الاقتصاد والأمن».