الهادي التليلي
من الخطط اللافتة للانتباه التي دأبت عليها العديد من الدول الأوروبية والإسكندنافية منها خاصة هي المواطن الرقيب وتتمثل في إعطاء الصفة والصلاحيات لمن يبغي التطوع خدمة لوطنه بأن يمارس المواطنة النقدية لكل هياكل الدولة ومؤسساتها دون التدخل أو الكشف عن هويته لكون دوره الرقابي النقدي يفترض سرية مطلقة ويمكن تلخيص محتوى دور المواطن الرقيب في رفع النقائص والإخلالات التي يراها في مختلف الإدارات والمرافق العمومية فقط لا غير ويقوم برفع تقرير في الغرض موثق بالصور والتسجيلات إن لزم الأمر لتجنب الكيدية وحرصاً على الموضوعية وتقارير المواطن الرقيب تحال على أهل القرار في مختلف المرافق لتثبت والتحقيق
في بعض البلدان الأوروبية خاصة لا يحتاج المواطن إلى الصفة ليكون رقيباً حريصاً على وطنه فعامل النظافة الذي يدشن يوم المدينة منذ فجر يومه في شوارعها لا يكتفي بالقيام بما هو منوط به من نظافة بل ترى عينه تحرس مدينته من كل ما يشوب أمنها وأمانها وسائق سيارة الأجرة تكون عينه وأذناه في خدمة وطنه نفس الشيء بالنسبة للعاملين في القطارات والمترو والحافلات والبواخر وغيرها في البر والبحر وحتى في الجو.
والمواطن العادي وهو يمارس حياته اليومية ويعبر مختلف المرافق لا يتوانى حال رأى إخلالاً ظاهراً في الإبلاغ والإعلام لقناعته بأن الوطن أمانة في عنق كل مواطن وحمايته مسؤولية الجميع ونعني بالحماية هنا من الداخل الجريمة والفساد والإهمال والخارجي كأمن الوطن والتصدي لأعدائه في ظل وضع كوني تختلط فيه المصالح بالأطماع.
المواطن الرقيب وإن كان خطة معتمدة في عدد من الدول فإنه في حقيقة الأمر وجوهره مسألة أعمق من أن تكون مجرد خطة غرضها الإصلاح الإداري ومقاومة الإهمال والفساد فإنها في جوهرها تجسيد لدور المواطن في وطنه وتحقيق لواجبه فالمواطنة ليست كما يراها البعض حزمة من الحقوق وإنما هي ارتباط الحق بالواجب وحماية الوطن ليست فقط منوطة برجال الدولة والأمن بمختلف تفريعاته بل كل مواطن شاء أم أبى قدره أن يكون جندياً في خدمة وطنه.
ولا يكون المواطن رقيباً وجندياً لصالح وطنه في الداخل فقط وإنما أينما كان سواء بالداخل أو بالخارج فالوطن فيه وهو من الوطن والوطن ليس مجرد رقعة أو خريطة إنه إحساس ووجود وانتماء فدبلوماسية المواطن خارج وطنه أو داخله لأن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت العالم مجموعة أزرار وأيقونات ومجال التأثير أكثر عمقاً من تأثير التواصل المباشر نرى واجب المواطن تجاه وطنه أن يكون رقيباً حارساً متصدياً لكل ما يمس من الوطن وهيبته من كل مستهدف له سواء من الداخل أو الخارج وخاصة القنوات والخطوط التي تستقطب الشباب العربي المهاجر وحتى داخل بلده وتجنيده لأجنداته مقابل أحلام تباع لهم ودمغجة تستغل طبيعة السن والتحولات السيكولوجية كالمراهقة وغيرها.
العالم يتحول شيئاً فشيئاً إلى غابة من الأشباح يتقاطع فيه العدو مع الصديق في مشهد زئبقي ومربك لذلك نرى بأن المواطن الرقيب هو المواطن الحقيقي الذي أثنى عليه أنطونيو غرامشي معتبراً إياه عضوياً وهو المواطن المجسد فعلياً للمقولة السعودية الخالدة «وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه».