خالد بن حمد المالك
كل الضمانات تم توفيرها مسبقاً لإجراء انتخابات حرة في العراق تتوفر فيها الشفافية والنزاهة والعدالة، وقد قبلت بها كل الكيانات والأحزاب قبل ظهور نتائجها، والإعلان عن عدد المقاعد الفائز بها كل حزب بحسب ما أظهرته أوراق المصوتين، وأفصحت عنه صناديق الاقتراع.
* *
فقد تم التوافق المسبق بين كل الكتل والأحزاب على آليات التحضير ثم التنفيذ، بما طمأن الجميع على أن هذه الانتخابات لن تشوبها شائبة، ولن يتهمها أحد بالتزوير، خاصة وأن مراقبين دوليين شاركوا في المراقبة، وأكدوا أن لا شيء ظهر لهم يسمح للمحتجين بالاحتجاج على نتائجها.
* *
غير أن الخاسرين، ممن لم يحصلوا على الأصوات التي قدروها قبل بدء الانتخابات لم ترضهم النتائج، ولم يقبلوا بأصوات تقل بكثير عما كان في حسبانهم قبل ظهور النتائج، وإذا بهم يشككون ويتهمون ويهددون، ويرفضون النتائج حتى مع قبول طعوناتهم، والعودة للعد اليدوي للتأكد من سلامة النتائج.
* *
ومع أن المحاكم المختصة، والمراقبين الدوليين، أكدوا بأنه لم يظهر لهم ما يمكن أن ينال من صحة النتائج أو الشك فيها، إلا أن من حجبوا من المصوتين أصواتهم عن الخاسرين ظلوا على مواقفهم في رفض النتائج، وإصرارهم على التصعيد لإفشال أول انتخابات عراقية نزيهة إذا ما قورنت بسابقاتها.
* *
ولم يكتف هؤلاء بالاعتراض الكلامي، خاصة وقد أُستجيب لطعوناتهم وتم إجراء العد اليدوي، وقد ظهرت نتائج الفرز اليدوي دون أي تغيير على ما سبق الإعلان عنه من نتائج، إذ ارتكب هؤلاء جريمة مروّعة، باطلاق ثلاث طائرات مسيرة نحو منزل رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي، بعد تهديد مسبق بالانتقام منه إثر ظهور النتائج بغير ما كانوا يتوقعونها، ما جعل العالم يندد بهذه الجريمة النكراء، ويعلن تضامنه مع رئيس الوزراء.
* *
ومع أن السيد مصطفى الكاظمي، وضمن جهوده لإجراء انتخابات نزيهة ليس لها مثيل من قبل، قد نأى بنفسه من أن يكون ضمن المرشحين لهذه الانتخابات، للتأكيد على حياده وتعامله على مسافة واحدة مع الجميع، إلا أن هذا لم يشفع له ولم يعفه من أن يكون هدفًا من هؤلاء المجرمين، رغم أنه لا علاقة له بسير الانتخابات، وأن دوره اقتصر فقط على ضمان الأمن، وتوفير الإمكانات لتجري الانتخابات بشكل سلس.
* *
لهذا، فإن استهداف رئيس الوزراء، وبهذه الصورة، إنما يرتقي هذا الفعل الشنيع إلى مستوى الإرهاب والجريمة والقتل المتعمد، مع أن هذا التصرف الأحمق لن يغير شيئًا مما آلت إليه نتائج الانتخابات، ولن تتأثر الكتلة الفائزة بالأصوات الأكثر بالضغوطات ولن ترضخ لهذا الابتزاز، ومثلها سيكون هذا هو موقف رئيس الوزراء.
* *
إن هذا العمل الإرهابي الجبان الذي استهدف رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي، يجب أن يواجهه الشعب العراقي الشقيق على أن هدفه إفشال هذه الانتخابات، وجر البلاد إلى مزيد من الصراعات، وإلى الفوضى، وعدم الاستقرار، وهو ما ترفضه كل الدول التي تهمها مصلحة العراق وشعبه، وهو ما يعني تصدي الشعب العراقي الشقيق للقوى الإرهابية التي تحاول منع العراق من استعادة عافيته ودوره، وترسيخ أمنه، واستقراره، وتعزيز رفاهيته ونمائه.
* *
لهذا فنحن ندعو إلى محاسبة مرتكبي محاولة الاغتيال الفاشلة، والمشاركين فيها، ومنظميها، ومموليها، ومتبنيها، وتحميلهم كامل المسؤولية عن هذه الجريمة، فالمجتمع العراقي عبّر من خلال صناديق الاقتراع عن دعمه لمشروع الدولة، بعيدًا عن هيمنة الميليشيات الإرهابية، واستقوائها بالسلاح على الدولة.
* *
وإن محاولة اغتيال الكاظمي تعد بنظر العالم كله تطورًا خطيرًا في ممارسة الميليشيات الإرهابية عدوانها ضد الدولة، وتأتي بعد محاولة الضغط عليها عبر تسيير المواكب المسلحة، ونشر عناصرها في الشوارع، واستهداف المطارات والقواعد العسكرية وغيرها، مما يعد إخلالاً بالأمن، ومساسًا بسيادة الدولة، وتعريضًا لأمن البلاد للخطر.
* *
وليس عندي أدنى شك في أن هذه الأحزاب الإرهابية وقد ارتكبت جريمتها بحق رئيس الوزراء، إنما تسعى إلى تحويل العراق إلى دولة فاشلة، يتفشى فيها الفساد السياسي والمالي والإداري، وينفلت فيه السلاح بأكثر مما هو ظاهر الآن، ولحسن الحظ أن موقف الشارع العراقي تجلى بالرفض لممارسات الميليشيات الإرهابية، وأصر على استعادة الدولة لقوتها وهيبتها بعيدًا عن التدخل الإيراني في شؤون البلاد الداخلية.