إنجي عمار
جذب انتباهي وبشدة منشور لأحد الأصدقاء (أفكر في كتابة مقال عن طعم الموت...).
وما أثار دهشتي أكثر وأكثر هو كم التعليقات وما حملته من معان إنسانية تشيب لها الولدان وتقشعر لها الأبدان.
علَّق البعض بقص تجارب شخصية وغلف آخر الحكاية بسخرية للهروب من مر الحدث.
وهنا لا بد أن تشاركوني الطرح... هل للموت طعم؟! وهل قصد صديقي الموت الحسي أم الموت المعنوي؟!
قرأت كل التعليقات والتي تركَّزت جميعها على الإحساس وكأنك تموت نتيجة لإجراء عملية جراحية صعبة استغرقت ساعات وكانت محاطة بالخطر في كل تفاصيلها؛ أو الإصابة بالمرض اللعين وما تبعه من جلسات وعمليات؛ أو الغرق وكيف مرت اللحظات وكأنها دهور.
من كتب وصيته؛ ومن تذكّر أخطاءه وتقصيره؛ ومن انتابته مشاعر لا توصف على حزن أحبابه وكيف سيواجهون الحياة بدونه.
أما أنا سأحكي عن طعم الموت المعنوي إن لم يخوني التعبير.
حين ينخلع قلبك من بين ضلوعك وتشعر بأنفاسك لاهثة تتصبب عرقًا فزعًا وهلعًا من هول وقع اللحظة.
الموت هو أن ينتابك الرعب من فقدان شخص هو بالنسبة لك الحياة؛ أن تستيقظ ليلاً مرات ومرات وكان نداهة توقظك ملهوفًا للاطمئنان على ونيسك؛ أما زال على قيد الحياة؟!
حين تصمت وتسكن لتصتنت إلى أنفاس ليبقى قلبك حياً.
الموت.. هو أن تسابق زمن وتصارع أحداث لإنقاذ روح لا حول ولا قوة لها بعد الله إلا أنت.
الموت.. أن تتوقف الحياة أمام عينيك تسلب روحك وأنت يقظ تتعلّق بالسماء؛ وتناجى الله وحده.
بمفردك وحيداً.. تتخذ قرارات وتنهي إجراءات.. تدور في ذهنك مئات الأسئلة.
هل هي صحيحة وفي محلها؟! هل تقاعست أو تهاونت؟!
هل أصبت أم قصرت؟! لا تجد من تبث له خوفك وقلقك وجزعك.
الموت.. أن تدور في دوامة التكليف الصامت بحمل مسؤولية إنسان يثق بك ويراك أمانه ومأمنه.
الموت هو أن تشد الثواني والدقائق ليمر يوم دون أن تحدث فيه مفاجأة تقف أمامها مشلولاً عاجزاً.
الموت هو.. انتظار وما أقصاه من إحساس أن يمر يومك دون تابع جديد.
الموت.. أن يفيض دمعك وتحبسه بداخلك حتى لا يراه من كان يكفل هذا الدمع.
الموت هو.. أن تلملم شتات نفسك وحيداً.. خشية أن تصطدم رأسك بصخرة البغتة وحجر الخذلان.
الموت هو.. محاولة طمأنة روحك من حدوث توابع لزلزال هز أركان أمانك.
أعي وأدرك أن الحذر لا يمنع قدر وأن جميعنا تحت رحمة الله.
- لكن - أردت أن أشير إلى أن القياس مع فروق بين الموت وطعم الموت.
الموت لا طعم له.. فسكراته هي رحمات من الرحمن.