محمد أحمد أبوبكر
من يتابع الحراك اليومي على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة على تويتر يجد حيّزًا لا يستهان به مخصصًا للكلام والنقاش حول المال من حيث ادخاره واستثماره وإدراك قيمته وفهم آلية العمل بالأسهم وتحقيق العوائد والأرباح وتلافي الخسائر ما أمكن وآخر صيحات عالم المال والأعمال وهي العملات الرقمية المشّفرة المسمّاة بالبيتكوين وغيرها من العملات.
السؤال هو لماذا هذا الاهتمام الطاغي؟ ولماذا أصبح الشغل الشاغل للعديدين رجالًا ونساءً؟ ولماذا تمتلئ منصات التواصل المباشر مرئيًا مثل منصة زووم وصوتيًا مثل كلوب هاوس ومساحات تويتر Twitter Spaces بالنقاش حول الشؤون المالية؟
الجواب هو بسبب التفكير بالثراء وتحقيق المستوى المرضي من المعيشة والاستعداد لما هو أسوأ من الظروف الصعبة وغير المتوقعة مثل جائحة كورونا.
كانوا يقولون سابقًا إن الأمية هي أمية القراءة والكتابة وتطورت إلى أن تكون أمية الحاسوب والأمية الجديدة الآن هي أمية الثقافة المالية.
الذي أوحى لي بفكرة كتابة هذا المقال هو نقاش أجريته مع صديق لي حول الثقافة المالية والوعي المالي فاقترحت عليه أن أنظّم ميزانيته الشهرية على ضوء ما تعلّمته من أساليب محكمة وموصى بها وبعد أن انتهى من ترتيب المصروفات بندًا وراء بند استصعب هذا الأمر واستثقله جدا فقلت له إنه لا بد لك من الالتزام الصارم وإلا أوقعت نفسك في متاعب مالية فقال لي إنه للتو انتهى من دفع أحد الديون المستحقة وهو بحاجة إلى شهرين على الأقل حتى ينتظم في سلك الميزانية ولم أجد لكلامه مسوغًا إلا تكاسله وهو ضحية للتفكير المجتمعي السائد حيال التعامل مع المال وأنا أعزو ذلك - وكما قال غيري من المهتمين عربًا وأجانب - إلى قصور النظام التعليمي عن إدراك أهمية تعليم قيمة المال وضرورة فهم آلية التعامل معه ادخارًا واستثمارًا وربحًا وخسارة والأهم من هذا وذاك أن يجعل المال يعمل من أجله ويتولد عن ذلك المزيد والمزيد من الأموال لا أن يكون هو يعمل من أجل المال فيدور في سباق الفئران المضني والمنهك.
النظام التعليمي هنا أو في دولة يدرب الطلاب على التحصيل والجد والاجتهاد في الدراسة والتفوق ونيل أعلى الدرجات من أجل نيل وظيفة مرموقة ومكانة رفيعة في المجتمع وهنا يكمن الإشكال وتبرز المعضلة، بمعنى أن يكونوا موظفين محترفين لا رجال أعمال أو مستثمرين ناجحين.
نجد كثيراً من أرباب الوظائف والمكتبيين وغيرهم من العاملين في القطاعات المختلفة غير موفقين ماليًا لأنهم لم يدركوا أسس الإدارة المالية الشخصية وضبط الميزانية والالتزام بها وادخار ما أمكن من أموال واستثمارها وتحقيق عوائد مجزية وتكوين العديد من مصادر الدخل المستدام لذلك تجد العديدين من الموظفين أسرى للديون والقروض والكماليات الزائدة عن الحاجة فضلاً عن أن الوظيفة تحقق لصاحبها أمانًا ماليًا ولكن إلى حين ما لم يتم تدبير النفقات بحكمة ومضاعفة الدخل حتى ينعم الموظف بتقاعد مريح ودخل مستمر يغنيه عن راتب التقاعد المحدود.
الأمان المالي الوظيفي المعتمد فقط على الراتب وهم كبير، ولذلك كان لزامًا على كل فرد استثمار مواهبه وما حباه الله من قدرات حتى يحولها إلى أدوات مالية مربحة، ولهذا كانت الدورات المنتشرة هنا وهناك لتحقيق هذه الغاية.
إذا كنت تتمتع بمهارة إتقان أكثر من لغة أجنبية فهذه فرصة لاستثمار هذه الموهبة وتحقيق دخل منها خاصة في مجال الترجمة المكتوبة أو الفورية وإذا كنت ذا صوت فصيح وفخم وإذاعي فمن المؤكد أن تجعل من صوتك وسيلة للكسب والواقع خير شاهد على هذا الكلام وإذا كنت تملك مهارة الكتابة المحترفة سواء كانت هذه المهارة في كتابة المقالة أو المحتوى فهذا مجال يدر عليك دخلًا محترمًا وهلمّ جرّا.
إذا كان راتبك ضئيلًا فابحث عن مصادر أخرى للدخل أو وظيفة أخرى أعلى أجراً.
قم ببناء قاعدة صلبة تقوم على مبالغ عالية من المدخرات، وبعد ذلك استثمر أموالك في مجال أنت تفهمه وتحسنه وبمبلغ مخصص لذلك ولست في حاجة إليه بحيث إذا ما طرأ طارئ ما عوضت الخسارة.
من الكتب المفيدة في هذا المجال الأب الغني والأب الفقير لروبرت كيوساكي وهو عمدة الكتب المالية وأكثرها رواجًا وشهرة ويركز بشكل كلي على امتلاك الأصول المالية والحذر من الخصوم وما ذكرته في بداية المقال مذكور بالتفصيل في هذا الكتاب، ومن الكتب الأخرى أغنى رجل في بابل لجورج كلاسون حيث يقدّم المعلومة المالية والحكمة الادخارية في قالب قصصي وتاريخي مثير وشائق ويعتبر الكتاب على صغر حجمه فاتح شهية لمن أراد الولوج إلى عالم المال، وأيضًا هناك كتاب حتى لا أكون عبدًا للراتب لغرم الله الغامدي ومضمونه واضح من عنوانه، ويتسق مع ما ذكرته من السعي في إيجاد مصادر للدخل واستثمار الأموال وعدم الركون للراتب وحده وأيضًا كتاب قواعد الثروة لريتشارد تمبلر الذي يقدم لك كل ما يتعلق بالمال وكسبه والمحافظة عليه من الألف إلى الياء في صورة قواعد مرتبة ومنظمة وإذا أردت التفكير ماليًا بشكل فعال فعليك بكتاب فكر وازدد ثراءً لنابليون هيل وإذا أردت أن تعرف لماذا يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا فعليك بكتاب أسرار عقل المليونير لتي هارف إيكر واستثمار الأفكار له حضوره مع كتاب من فكرة تصنع ثروة للأستاذ عبدالله بن سيف الحساوي.
وفي النهاية الثقافة المالية ضرورة وليست ترفًا لأن الجهل بها له عواقبه الوخيمة والمدمرة فيما بعد.