عطية محمد عطية عقيلان
نتعلق في الأشخاص والأشياء وتجذبنا ونحبها، وفي كثير من الأحيان لا يوجد جواب منطقي أو مبررات مقنعة لهذا التولع والميل، حتى على المستوى العلمي، لا يوجد مسببات محددة وخارطة تصف هذا الميل أو التعلق ووجود قاعدة ثابتة له، سواء في العلاقة بين الناس، أو المكان أو الطعام ومع كافة مناحي الحياة، فلا تفسير منطقي أحيانا للميل إلى لون معين أو عدم تقبل طعام أو فاكهة أو انجذاب لمكان أو شخص، ودائما نردد عبارة لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، وكما يقول أبوفراس الحمداني في بيت الشعر الشهير:
ومن مذهبي حب الديار لأهلها
وللناس فيما يعشقون مذاهب
فالمكان الذي ترعرع فيه الإنسان له تأثير «إلى حد ما» في تكوين ميوله وذوقه وطرق حياته المختلفة، فابن خلدون في مقدمته يتحدث عن علاقة الإنسان ببيئته وأثر المناخ على طبائع البشر، وأن للبيئة الطبيعية الأثر الأول في تكوين الصفات النفسية للشعوب وإكسابها طبائعها. لذا تختلف طباع سكان المدن عن الصحاري والقرى. ونلمس الاختلاف في طريقة التفكير والنظر إلى الأشياء حتى في المفردات الكلامية واللبس، يقول الروائي الفرنسي موباسان» المرء أبن البيئة التي يعيش فيه»، مع التأكيد على أن التغيير في الآراء وطريقة الكلام أحيانا ظاهرة إنسانية طبيعية نتيجة عوامل متعددة منها تغيير بيئته وتنقله، والمستوى التعليمي، والتقدم في العمر، وطبيعة العمل والزملاء والأصدقاء والوضع المادي.. والعديد من العوامل المؤثرة في تقبل اختلاف الآخر عنا، لذا لا لوم على تغيير الآراء والأحكام ورؤية للأشياء. بل من أهم صفات الإنسان الفكرية وحتى الجسدية عدم الجمود والتطور والتغير حسب المعطيات الجديدة، والثقافة الفرعية عند التعامل والحكم على الناس. مع ترسيخ مبدأ الاختلاف واحترامه لا سيما في الميول والرغبات والطباع، دون الإخلال بقيمنا وديننا والدفاع عن أوطاننا، لأنها لا تقبل التسامح والتلون، فهي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
لذا عزيزي القارئ خفف من لومك على من يختلف معك في الميول الرياضية، ولا تعتقد أن التعلق بهذا النادي أو ذاك مرتبط بتحقيق الإنجازات والبطولات لأنه عشق وجاذبية لا يمكن تغييرها بضغطة زر أو خسارة مباراة أو بطولة، ولا نحاول تغييرها لأنها مزروعة فينا لا يمكن اجتثاثها ونزعها بقرار، إلا إذا كان مرتبطاً بمصلحة مادية أو جذب جماهير.
ولا تنتقد من يعشق الصحراء وقضاء الأوقات في الطبيعة الجرداء وسط الكثبان الرملية، بعيدا عن فلته أو قصره وسريره الوثير، لأنه تولع وحب يريح النفس ويهدأ الأعصاب ويبعث على السكينة، ولا لوم وعتاب على من يخاف من ظهور الأسود والسباع والعقارب في هذه الصحاري القفار، ولا تستخف بهم وتعتبرها لحظات من التعب والإرهاق وتضييع الوقت.
ولا تستغرب من يحنون إلى قراهم ومدنهم التي عاشوا فيها، وهم في أحسن عواصم العالم حضارة وطقسا، لأنه عشق ليس له سبب منطقي أو تبرير موضوعي ولكن النفس تشتاق لهذه الأماكن رغم قسوة مناخه وتضاريسه.
ولا تتعجب من العلاقات بين الأصدقاء والتوافق والراحة النفسية، رغم الاختلاف الظاهري في السلوك والأشكال والانتماء، ولكنه ارتباط له دوافعه النفسية والتجربة التي لا تجد الكلمات التي تعبر عنها والمبررات المنطقية والمقنعة لها.
فلنأخذ أن الاختلاف وردّات الفعل والاهتمام هو الطبيعي بين البشر، حتى بين الأبناء والاخوان، وليس مطلوب مني ومنك أن نبرمج أنفسنا والآخرين على حب ما نريد ونوحد ذوقنا ورغباتنا ونظرتنا للأمور وتجذبنا نفس الأشياء، ولنتذكر مقولة علي الوردي «ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم، ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف»، فالجاذبية ليست مرتبطة بالتفاحة فقط، فهي موجودة مع البطيخ وبجاذبية أقوى لدى البعض.