سلمان بن محمد العُمري
سئل أحد السلف ألا يضيق صدرك من تجاهل معروفك من قبل الذين تحسن إليهم؟
قال: يكفي قول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
هكذا هي الأنفس السوية لا تنتظر الجزاء ولا الشكر من الناس بل تبتغي فيما تقدمه من الخير الأجر والمثوبة من الله عز وجل، وإذا جحد الناس الإحسان فعند الله لا يضيع الإحسان بل يجزى عليه ويتضاعف، ويعضد ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)، وقد اختص الله سبحانه وتعالى أهل الإحسان بقرب الرحمة، لأنها إحسان من الله وهو أرحم الراحمين، وإحسانه تبارك وتعالى إنما يكون لأهل الإحسان، لأن الجزاء من جنس العمل.
وإذا كان المحسنون الأنقياء لا ينتظرون من البشر إلا الجزاء، فإن الأوفياء يقدرون المعروف والجميل ويحفظون المعروف ويشكرون للمحسن ولو بالدعاء إن لم يستطيعوا رد الجميل عملاً موازياً لما قدم لهم، وما أقلهم في زمننا هذا زمن المصالح والماديات الذي استشرى في عقول البشر وسلوكهم فأصبحت علاقاتهم مبنية على المصالح لا على المبادئ والرغبة فيما عند الله عز وجل.
فبشراكم أيها المحسنون فلكم البشارة من الله عز وجل: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)؛ فالمحسنون لهم البشارة من الله، بسعادة الدنيا والآخرة وسيحسن الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده، والتقوى أفضل المراتب، والإحسان أجمل الأعمال وهما سببان في رحمة الله عز وجل وبعباده، ولذا كان الإحسان من خلق الأنبياء (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، وإذا كان الإحسان من الأنبياء والصالحين والمتقين فإن الجحود والنكران من صفات اللؤماء والجاحدين، والإحسان باب واسع، وهذا من فضل الله عز وجل فهو لا يختص بالأغنياء فحتى الفقراء يمكن لهم أن يحسنوا لغيرهم؛ فإن كان الإحسان للفقراء أن يكون بالمال والطعام والكسوة؛ فهناك إحسان آخر ويغفل عنه كثير من الناس وهو لين الكلام، وإحسان القول للناس، ومواساة المرضى، وتبادل الزيارات، والإحسان بالكلام الطيب والدعاء علناً أو بظهر الغيب، يقول ابن عثيمين -رحمه الله- (والإحسان إلى عباد الله أن تعاملهم بما هو أحسن في الكلام والأفعال والبذل وكف الأذى وغير ذلك حتى في القول فإنك تعاملهم بالأحسن).
والسلبيون لا تتوقف سلبيتهم عند حدود حجب المعروف عن الناس، أو عدم الشكر للمحسن وصاحب المعروف بل يتعدى ذلك إلى أن بعضهم يكون مثبطاً وهادماً للعزائم ومخذلاً لأصحاب المعروف لائماً لهم على أقوالهم الطيبة وأعمالهم النافعة.
... وقفة تأمل...
تصفو الحياة لمن في قلبه نور
ومن شذاه على الأحباب منثورُ
ومن يتوق إلى الفعل الجميل وفي
جنبيه كنز من الإحسان مذخورُ
سروره أن يرى خيراً يفيض به
قلبُ بحب النوى في الناس معمورُ
فما الحياة إذا لم نحيي بهجتها
بالخير في الأرض حتى تشرق النورُ